غوغل يحتفل بالراحل إحسان عبد القدوس...فكيف عالج مفهوم الحرية في أفلامه؟

19:16
04-01-2023
أميرة عباس

يحتفل محرك البحث "غوغل"، اليوم الأربعاء، بذكرى مولد الكاتب والروائي المصري إحسان عبد القدوس، الذي يصادف في الأول من كانون الثاني/ يناير من كل عام. لذلك هنا سنرصد أحد أهم أفلامه ألا وهو فيلم "أنا حرة" الذي عالج مفهوم الحرية حيث أنه ما زال مفهوماً شائكاً لغاية هذا اليوم.

ملخّص عن الراحل:


ولد الكاتب والروائي القدير إحسان عبد القدوس في 1 كانون الثاني/ يناير عام 1919 في مدينة القاهرة.
يعد عبد القدوس صاحب أكبر عدد من الأعمال التي تم تحويلها إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية. يمثل أدبه نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية، وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.
تولى رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عاماً، وهي المجلة التي أسستها والدته. وتولى بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم.
كما كتب إحسان عبد القدوس أكثر من 600 رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عدداً كبيراً منها حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية، إضافة إلى أن 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الأوكرانية والصينية.
وتوفي الراحل في 11 كانون الثاني/ يناير 1990.

ملخّص عن فيلم "أنا حرة":

"أنا حرة" هو فيلم نادى بالحرية الفردية وصولًا إلى الجماعية عبر تحقيق حرية الأوطان، تم تقديمه عام 1959 من بطولة لبنى عبد العزيز وهو عن قصة للأديب الراحل إحسان عبد القدوس الذي تناول مشكلة القيود التي تُكبّل الفتاة في المجتمع الشرقي في فترة ما قبل ثورة يوليو في مصر حين كانت العديد من الفتيات تفتقدن حق العلم والعمل. ويتناول الفيلم قضية تحرّر المرأة ورغبتها في إثبات وجودها، من خلال "أمينة" وهي فتاة صعبة المراس، التي ينفصل والديها، وتذهب للعيش مع عمتها وزوج عمتها، فتتمرد على حياتها معهما، وترفض تسلط المجتمع عليها، والمتمثل في عائلتها الجديدة التي تعيش معها، كما ترفض البقاء في المنزل وتعلم فنون الطبخ بعد إنهاء المرحلة الثانوية، وتقرر الالتحاق بالجامعة الأميركية، ويتغير العالم من منظورها، ولكنها تدرك بعد ذلك معنى الحرية الحقيقي، إذ تصل في النهاية إلى المعنى الأكبر للحرية والمتمثّل في الوطن، وهو من إخراج صلاح أبو سيف.

تفاصيله:


اللافت أنّ تتر بداية فيلم "أنا حرة" ينتهي بمقولة لِمؤلّف قصته الراحل إحسان عبد القدوس ألا وهي:"ليس هناك شيء يسمى حرية، وأكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التي يؤمن بها، وللغرض الذي يسعى إليه…. إننا نطالب بالحرية لنضعها في خدمة أغراضنا، وقبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك: لأي غرض ستهبها".
وهذا ما يُعالج فكرة أنّ الإنسان مهما كان حراً فهو عبدًا لأفكار ومبادئ يُؤمن بها، وهذا ما ينافي مفهوم الحرية، إذ يطرح تساؤل عما لو كانت الحرية غاية أم وسيلة على الطريقة الميكافيلية.

كما يناقش الفيلم المذكور إشكالية الفرد مع المجتمع: هل تكون القيمة العليا هي الفرد (المبدأ الليبرالي) أم المجتمع (المبدأ الاشتراكي)، وفي هذا استعراض للتناقض بين الايديولوجيات السياسية (الليبرالية والاشتراكية).
ويصل الفيلم في النهاية إلى خلاصة مفادها أنه إذا ما تحققت مصلحة المجتمع فستتحقق بالضرورة مصلحة الفرد، وهو ما عبّر عنه أفلاطون في كتاب "الجمهورية" والتي تتحقق فيها سعادة الفرد عندما تتحقق سعادة الدولة بهدف الخير الذي يُراد لذاته لا لِسواه حيث تتجلّى الحرية لديه في إرادة تحقيق الفضيلَة التي يَبْغيها المرء لِذاتها، وليس لارتباطها بِسواها.

أيضًا سلّط هذا الفيلم الضوء على مساوئ العمل والرأسمالية والتي جعلت من الموظف سجين مصلحتها وأفكارها أي أن الفرد أصبح عبدًا للمبادئ التي يؤمن بها وللغرض الذي يسعى إليه، كما يوضح أنّ الحرية سلبت من الفرد حريته في حياته وبذلك فقدت جوهرها وقيمتها، وهذا ما نستشفه من المشاهِد واللقطات التي تُركّز في الفيلم على العبارات الموجودة في مكاتب الشركة مثل "ممنوع استخدام الهاتف"، "ممنوع الزيارات" إلخ...

أما في الخط الدرامي العاطفي الذي يُعالجه فيلم "أنا حرة"، فهو أيضاً أتى بصيغة فلسفية حينما تقع بطلة العمل أمينة في حب "ابن الحتّة" عباس (شكري سرحان) الذي تخرّج من الجامعة والتحق بمجلة البعث، وواصل كتاباته السياسية وكفاحه وزملاءه ضد المستعمر، وذاع صيته كثائر ومعارض وطني، وأصبح ضيفًا مستديمًا على البوليس السياسي. ثم تحججت أمينة بإعلانات الشركة التي تعمل بها وطلبت مقابلة عباس، واستعادت ذكريات الماضي، وتكررت اللقاءات وأحبت عباس، وقبلت أن تتنازل عن حريتها مقابل الزواج منه، ولكن للأسف عباس لا يستطيع الزواج، فحياته مهددة بخطر الاعتقال في أي لحظة. ساعدت أمينة عباس في طبع المنشورات بمنزلها وتم القبض عليها وعلى عباس وتم سجن كل منهم 5 سنوات، وتم زواجهما بالسجن في يوم الأحد 20 يوليو من عام 1952، أي بالتزامن مع إنطلاق ثورة الضباط الأحرار في مصر.

وبالحديث عن قصة الحب التي جمعت بطليْ العمل، لا بد من التوقّف عند مشهد ركوع أمينة أمام حبيبها عبّاس لخلع حذائه حينما زارته في منزله قبل سجنهما وزواجهما، لنتساءل هنا عن الفكرة التي أراد إحسان عبد القدوس إيصالها للجمهور... هل أنّ أمينة المتحررة تخلّت عن حريتها ما أن وقعت في الحب رغم تمرّدها الدائم على العادات؟ هل وقوعها في الحب كشف أنها تشبه أمها وعمّتها والسيدات الشرقيات اللواتي يخضعن للرجل؟!

في الختام، نؤكّد على أنّ مفهوم الحرية الذي عالجه الراحل إحسان عبد القدوس في فيلم "أنا حرة" ما زال بمثابة إشكالية ومعضلة فلسفية تفتح نقاشاً وجدالاً بيزنطياً بين الأفراد والمجتمعات، فهل نحن أحرار فعلاً أم أسرى تنشِئنا الاجتماعية؟ وحتى تطوّرنا وتقدّمنا التكنولوجي يأسرنا في عصرنا الراهن وهذا ما ينافي حريتنا، فلا حرية مطلقة ولا عبودية مطلقة إنما قانون النسبيّة يحكم حتى حريتنا البشرية!