"صراع الحياة والموت" في زمن كورونا...ماذا تَعلّمنا وكيف نَستفيد من هذه التجربة؟!
يَمر المرء بتجارب عديدة خلال مراحل عمره، أما اليوم فهناك قاسماً مشتركاً يَجمع كل الأفراد حول العالم بشكلٍ مُتفاوتٍ حيث يُواجهون معاً تجربة واحدة ألا وهي "كورونا". فماذا تعلّمنا من هذه التجربة على الصعيديْن الفردي والجماعي؟!
"الهَم الأكبر" وغريزة البقاء!
لا بد من مُعالجة الأمر من زوايا مختلفة ومُتعدّدة، نستهلّ الحديث عن "الهم الأكبر" -إن جاز التعبير- لدى الجميع راهناً حيث جُلّ ما يهم الناس اليوم هو الوقاية من إنتقال عدوى الوباء العالمي المُستَجد "كورونا"، وهذا يعود لما تفرضه علينا "غريزة البقاء"، هذه الغريزة التي لطالما تُشعِر الإنسان بِوَعْيه ولاوَعْيه بضرورة الحفاظ على حياته وسلامته كي يبقى حياً يُرزَق، فيُكرِّس كل قدراته للحفاظ على عمره بالرغم من أنّه لا يقوى على ذلك لِسَبب مُحتّمَ، فَبِإختصار قد يستطيع الإنسان التحكّم بأي شيء يخصّه ما عدا لحظتيْن في حياته ألا وهما لحظة ولادته ولحظة موته، وأتعمّد إستخدام مصطلح "لحظة" لأنّنا قد نخسر العمر كلّه بلحظة أو حتى بِبُرهة من الزمن فقط!
غريزة الحياة وغريزة الموت
في مقابل غريزة البقاء، يُواجه الإنسان غريزة الخوف من الموت، ومثلما يقول مُؤسِّس علم التحليل النفسي النمساوي سيغموند فرويد أنّ لدى الإنسان غريزتيْن هما غريزة الحياة وغريزة الموت، فيبقى المرء دوماً في صراعٍ دائم بينهما، ويأتي ذلك في مواجهة فكرة الموت التي نُدرك جيداً أنّها ستكون نهايتنا لأنّنا غير مُخلّدين، وهنا يجب التحلّي بالإيمان كي نكون مُستعدّين للموت في أي لحظة وهذا ليس تشاؤماً بل هو توصيف للواقع وللحقيقة الحَتميّة على البشرية جمْعاء.
"غريزة التَجمُّع" والعُزلة في الحجر!
من مُنطلق الصراع بين غريزة الحياة وغريزة الموت، يأتي خوف وقلق الناس من شبح كورونا. ومن بعده تأتي غرائز أخرى تعيش أوجّها في داخلنا اليوم لمواجهة هذا الوباء، ويُقِر علم الإجتماع وعلم النفس بأنّ هناك سبعة عشرَة غريزة تُحرِّك الإنسان، ومن تلك الغرائز التي تؤثّر علينا اليوم هي "غريزة التَجمُّع" التي يُقابِلها الشعور بالوحدة والعُزلة، فالإنسان كائن إجتماعي ومهما أحبَّ عزْلته ووحْدته لن يستطيع العيْش بمفرده لأنّنا في منظومة كاملة مُتكاملة، ولعلّ هذا السبب الذي يجعل الأهل يفرضون العقاب الأصعب على الطفل المُذنب من خلال عُزْلته في غرفته وحيداً كالسجن الإنفرادي! وبما أنّ معظمنا قرّر الإنفراد على مبدأ الحجر المنزلي الصحي لحماية أنفسنا والآخرين والحفاظ على سلامة المجتمع ككل من تفشّي هذا الوباء العالمي، بات الإنسان يشعر بغريزة التجمُّع التي تجعله راهناً يُعيد حساباته في علاقاته الاجتماعية مع إزدياد قوّة شعوره العاطفي ومتانة علاقاته بالمقرّبين منه. ولن ننسى هنا التنويه على أنّ الأسرة إجتمعت اليوم في زمن يسود فيه التفكّك الأسري ما يجعلنا نُجدِّد طاقات الأمان العائلي...
إتّحاد الروح الجماعية ورفع حس المسؤولية
هذا عداك عمّا يخص الروح الجماعية في مواجهة هذا الوباء، وبغض النظر عن الخوض في الأسباب الإقتصادية والسياسية التي جعلت بعض القوى العالمية في عصر الإمبريالية الحديثة تُصَنّع هذا الوباء بيولوجياً، سنُركّز هنا على ما يهم مجتمعات دول العالم الثالث، ففي لبنان مثلاً لا تتمتّع السلطات الثلاث الحاكمة بمقوّمات الدولة المؤسّساتية التي تحمي الشعب، فإضطر المواطنون بدعم من السلطة الرابعة أي الإعلام رفع حس المسؤولية بشكل جماعي للحفاظ على سلامة المجتمع أمام تقاعس الدولة في القيام بواجباتها البديهية. وهنا أثبت اللبّنانيّون مجدّداً أنّهم على قدرٍ من الوعي الجماعي لتقرير مصيرهم. كما نُنوّه أنّه بدافع الربط بين التجربة الفردية والجماعية في مواجهة كورونا، وبين غريزة البقاء، نجد أنّ أهم الخطابات السياسية وأنْجَحها هي تلك التي ترتكز في تَوجُّهها نحو المعركة الوجودية لبقاء فئة أو عرق أو طائفة أو حزب معيّن، وهذا دليل على أهميّة هذه الغريزة لدى الفرد والجماعة على حد سواء لتتكرّس اليوم مُجتمعة كعامل أساسي يدفع الشعب بأكمله لمحاربة الوباء المذكور.
معركة وجودية لِتحويل السلبيات إلى إيجابيات
لذلك، إنّ التفكير السطحي فيما نُواجهه اليوم قد يبثّ في قلوب الكثيرين مشاعر سلبية في الوقت الذي يمكننا تحويل واقعنا إلى إيجابية، فنحن راهناً نُحارب معركة وجودية تجعلنا نُدرك قيمة الحياة والعمر، ونعيش حالة تأمّل معِ الله والذات، ونُسرِع فيما كنّا نؤجِّله لِوضع مخطّطات كي نصبح مُنتِجين أكثر في مجتمعاتنا مع تحقيق طموحاتنا التي نرغب بها لكن كلّ ذلك طبعاً بأمر الله عزّ وجلّ إن أمدّ في العمرِ من سنوات قادمة.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية