بين مكافحة الفساد وتثقيف الرأي العام...دور الإعلام أمام نَكْبة لبنان "سيف ذو حدَّيْن"!

13:02
25-08-2020
أميرة عباس
بين مكافحة الفساد وتثقيف الرأي العام...دور الإعلام أمام نَكْبة لبنان "سيف ذو حدَّيْن"!

يلعب الإعلام اللبناني اليوم دوراً هاماً نظراً للوظائف المُتقاطِعة التي يقوم بها بين الوظيفة الإصلاحية لمكافحة الفساد، الوظيفة التثقيفية التوعوية للرأي العام إلى جانب الوظيفة الإخباريّة بنشر المعلومات والأحداث ورصد الوقائع وغيرها حيث مرّ لبنان خلال العام 2020 بظروف إستثنائية جعلت وسائل الإعلام تلعب دوراً ريادياً في المجتمع المحلّي إنطلاقاً من ثورة تشرين الأول/ أكتوبر 2019 التي إمتدت لهذا العام، ثمّ إنتشار الوباء العالمي كورونا وصولاً إلى نكبة الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت يوم الرابع من شهر آب/ أغسطس، وهنا سنرصد ماهية هذا الدور للسلطة الرابعة خاصة الإعلام المرئي والمسموع في لبنان خلال الفترة الراهنة:

الإعلام لِمكافحة الفساد والرقابة على أجهزة الدولة

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإعلام اللبناني يلعب راهناً دوراً هاماً لمحاسبة المسؤولين المتورّطين في جرائم الفساد المحلّي ولعل أبرزها يُترجَم عبر "مجزرة" مرفأ بيروت حيث تبيّن أنّ سلطات الدولة مُتورِّطة في جريمة الإنفجار الدموي بِفعل معرفتها المُبْرَمة بوجود مواد خطيرة ولم تُحرِّك ساكناً لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه إلا أنّ الكارثة وقعت حتى أصبحت بيروت مدينة منكوبة. ولا بد من الإشادة ببعض البرامج السياسية التي تُقدِّم أدلّة بالمستندات والوثائق كي تُدين هؤلاء المُتورّطين بجريمة الإنفجار ما يُساعِد على توريط مَن يجب توريطهم عن وجه حق ومُعاقبتهم أشد العقوبات على الملأ.

كما كان قد باشر الإعلام بهذا الدور الهام منذ إنطلاقة الثورة التشرينية لحث الرأي العام على ضرورة التخلّص من النظام الفاسد في لبنان. وهنا يجب التركيز على مدى أهمية دور إعلامنا في "النقد الذاتي" للنظام السياسي ونهج السياسيين بهدف تغيير النظام نحو الأفضل إذ لا يمكن تحسين الوضع المحلي دون إعتماد مبدأ النقد الذاتي لمنظومتنا الإجتماعية بشكل كامل، والمقصود بالمنظومة الإجتماعية هو النسق الذي يعتمد عليه المجتمع ككل أي أفراد وجماعات ولا يقتصر على الدولة/ السلطة أو النظام السياسي فحسب، وهنا من المفترض أن تلعب وسائل الإعلام دورها في الحث على الإنتماء الوطني وتعزيز روح المُواطَنة لدى جميع المواطنين اللبنانييّن دون تفرقة للنهوض بالوطن في ظل هذه المِحنة التي نمر بها.

الإعلام وتثقيف المُشاهِد اللبناني بِتأثير فعّال هذا العام

في كتاب "الإعلام والنشء: تأثير وسائل الإعلام عبر مراحل النمو" وتحديداً في الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان "نظريات التأثير الإعلامي" الصادر عام 2010، يقول المؤلّف ستيفن كيرش Steven J. Kirsh ) أستاذُ علمِ النفسِ في جامعةِ نيويورك( أنه دون نظرة النحّات تظل كتلة الطين على حالها: كتلة من الطين. لكن من خلال الحركات الدقيقة للأصابع والتخلُّص من الطين الزائد يُمكن أن يُصنع شكل جديد معقَّد. وكما هو الحال مع النحات الذي يُشكِّل الطين، كذلك يُمكن لوسائل الإعلام أن تُغيِّر واقع مُستهلكيها. على الأقل هذا ما يَطرحه منظور التثقيف (جيربنر وجروس ومورجان وسينيورييلي، ١٩٩٤). فطبقاً لهذه النظرة، يُعَد التلفزيون قوة كلية الوجود التي تُثقّف كل مشاهديها وتُكسبهم مُعتقَدات وسلوكيات تتماشى مع ما يُعرض في التلفزيون، على نحو لا يختلف عن الرصاصة السحرية.
وهذا ما ينطبق على ما يحصل راهناً في العلاقة الوطيدة بين المُواطن اللبناني والشاشة المُتلفزة المحلية التي تلعب دوراً هاماً في تثقيفه وتحفيزه خاصة أنّ الشعب اللبناني بأغلبه يمضي وقتاً طويلاً خلال هذا العام في منزله ما جعله مُشاهِداً أكثر لهذه الشاشة الصغيرة ما وطّد علاقته بالإعلام المرئي والمسموع، فأصبح أكثر تأثّراً بما يتلقّاه من خلاله، وبالتالي بات الإعلام المُتلفز أكثر فعاليّة على الرأي العام اللبناني.

القنوات والبرامج السياسية ما بين التثقيف والتحريض

كلّما وقعت كارثة وطنية في لبنان، تنتهز بعض الأبواق هذه الفرصة كي تشعل فتيل الفتنة وللأسف يُعد لبنان أرضاً خصبة لدخول الطوابير الخامسة -وما أكثرهم- اليوم، وهنا نشهد من البعض في الإعلام اللبناني على لغة تحريضية رغم أنّنا في أمسّ الحاجة للإبتعاد عنها في مثل هذه الظروف المأساوية، لذلك نلمس أنّه في مقابل الدور النقدي والتوعوي والتثقيفي للإعلام المحلّي إلّا أنّنا نعاني من الإعلام التحريضي ما يجعل وسائل الإعلام سيفاً ذي حدّيْن وهنا تكمن الخطورة فيما يُترْجَم بالتشرذم الشعبي الغوغائي داخل الشارع اللبناني.

للتنجيم فرصة ذهبية أمام عقول فارغة على الشاشة!

للأسف يجلس المنجّمون اليوم على كرسي بعض البرامج الحوارية على أهم الشاشات المُتلفَزة كي يُصرّحون بمعلومات -وليس بتوقّعات- ما يجعلهم يعيشون فرصة ذهبية أمام عقول فارغة على الشاشة حيث يتلاعبون بما تبقّى من "أعصاب" لأفراد يتنفّسون القلق كالأوكسجين يومياً في بلد غير آمِن، وكلّنا يعلم أنّ الخوف من المستقبل المجهول وبالتالي "علم الغيب" هو أكثر ما يُقلق البشر ويجعلهم يتعلّقون بأي معلومة قد تصلهم من هذا المنجّم/ة أو ذاك ... لذلك يخسر إعلامنا اليوم الكثير من دوره الريادي أمام ظاهرة المنجّمون على الشاشة الفضية بِسبب حرب نسبة المُشاهَدات أو "ريتينغ".

الإعلام والدور الإنساني الخيري الجامِع لِشعب واحد

لا يمكننا الحديث عن دور الإعلام اللبناني خلال الفترة الراهنة دون تسليط الضوء على أهمية دوره الإنساني في جَمْع التبرعات والمساعدات الخيرية حيث تُكرِّس بعض الشاشات برامجها لحث الناس من لبنان وكافة أقطاب العالم لتقديم هذه المساعدات كواجب إنساني سامي بالوقوف إلى جانب المتضرّرين من الإنفجار خاصة قبل حلول فصل الشتاء في ظل أزمة صرف الدولار ما يُفاقِم كلفة إصلاح مَساكِنهم المُدمَّرة جراء الإنفجار.

مع كل ما سبق إستعراضه نستخلص أنّ الإعلام المرئي والمسموع إستعاد مؤخراً دوره الذي كان يضمحل رويداً رويداً خلال السنوات الماضية لكن يجب أن يحافظ على سيادة سلطته بمنأى عن التسييس لِتبقى السلطة الرابعة رائدة في مجتمعنا الذي نسعى للنهوض به نحو غدٍ أفضل.