"أوسكار" Joaquin Phoenix، جائزة أمَل لكل ممثّل شغوف يُحارِب تشويه وسطحيّة "سوق الدراما"!

14:00
11-02-2020
أميرة عباس
"أوسكار" Joaquin Phoenix، جائزة أمَل لكل ممثّل شغوف يُحارِب تشويه وسطحيّة "سوق الدراما"!

الفن لغة لا تشبه باقي اللّغات، فالفن لغة تُعانِق الإنسانيّة لِتخلق نهجاً كاملاً للحياة وجامعاً للبشريّة، وفي كل لحظة من حياتنا نَلمِسُ فنّاً من بين مختلف أنواع الفنون، حتّى أنّ الطبيعة التي خُلِقت قبل البشر على الأرض هي عبارة عن فن بمنظرها وألوانها وأصواتها وكأنّها رسومات تشكيليّة ومقطوعات موسيقيّة، لذلك إنّ الفن هو مِن صلب هذا الكون وجزءاً لا يتجزّأ من الإنسان عامة إلّا أنّ البعض مِنّا نَمَت في داخله روح الفن بشغف أكبر، فَغاص وخاض أحد أنواع هذه الفنون فأصبح فنّاناً.

خُلِق الفن منذ الأزل قبل ولادة الإنسان حتّى أُنشِئ مهده الأوّل وتطوّر في مسارات عديدة وأنماط كثيرة لكن حاول البعض تشويه الفنون، ولا أُدرك السبب الذي يجعلني أستحضر في ذهني -خلال كتابة هذه السطور- ما كتبه الأب الروحي لفن التمثيل الحديث الروسي قسطنطين ستانسلافسكي في كتابه "إعداد الممثل" الصادر في مطلع القرن المنصرم (عام 1906) حول تشويه إحدى أبرز أنواع هذه الفنون حيث يستذكر ستانسلافسكي في كتابه المذكور محاولة زميلته خلال المرحلة الدراسية في الأكاديمية "سونيا فليا مينوفا" التي قدّمت في عرض مسرحي شخصية كاترين ضمن رواية "ترويض النّمرة" لِلكبير ويليام شكسبير، فإكتفت بإبراز قدميْها لتستعرض جمالها عوضاً عن تجسيد الشخصية بشكل لائق، فإتهمها الأستاذ- المخرج تورتسوف بتشويه فن التمثيل الذي يجب أن يحمل غاية "مُثلى"، فقال لها الأستاذ:"وفنّنا لسوء الحظ يُساء إستغلاله لتظهري جمالك، وغيرك يسيء إستغلاله ليكتسب شهرة أو ليحرز نجاحاً سطحياً أو ليتّخذ منه وسيلة لكسب العيش"، ويُكمِل تورتسوف حواره مع الطالبة-الممثلة فيقول:"هم يستغلّون جهل الجمهور وذوقه المنحرف، يستغلّون المحسوبيات والمكائد والنجاح الزائف وغير ذلك من الوسائل التي لا علاقة لها بالفن الإبداعي... هؤلاء المستغلّون هم ألد أعداء الفن".(من كتاب إعداد الممثل/ الفصل الأول/ صفحة 41).
وإنتقل هذا التشويه بمحاولات مُشابِهة من أبو الفنون أي المسرح وغيرها من الفنون وصولاً للفن السابع أي السينما في مقابل محاولات من ممثلين آخرين لِمحاربة هذا التشويه الذي يفرض نفسه في عالم التمثيل كي يُثبِتون أنّ التمثيل هو غاية الغايات وليس وسيلة أو "غاية لتبرير الوسيلة"!

قد يستغرب البعض عن سبب تمهيدي المُطوَّل بهذا الأسلوب في الحديث عن الفن وماهيّته ومحاولة البعض لِتشويهه ... لكن لا بد من تسليط الضوء على النقاط الآنف ذكرها كي نقف عند محطّة تُشكِّل نقلة نوعيّة لجميع الممثلين حول العالم وهي تتَمثّل بفوْز الممثل خواكين فينيكس Joaquin Phoenix -بطل فيلم الجوكر- بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل أو جائزة الأكاديمية لأفضل ممثل ضمن الدورة الثانية والتسعين من جوائز الأوسكار التي تمنحها سنوياً أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة... إنّها ليست مجرّد جائزة فَحسْب والفائز بها ليس مجرّد ممثلاً بمقوّمات إعتيادية تقليدية إنّما يجب علينا رؤية هذه الجائزة من زوايا أخرى عميقة.

لقد أثبت فينيكس أنّ الممثل لا يحتاج إلى ماكياج مُزيّف كي يحصد هذا النجاح فهو لم يقُم بالتجميل والإعتماد على المظهر وغيرها من السطحيّات المُشوِّهة للفن الحقيقي، بكل بساطة "بطل الجوكر" لم يتَجَمَّل بل عاش دوره وأحياه فأعطاه روحاً، نفَساً، قلْباً وعقلاً حتى حضرت هذه الشخصية بكل ثقلها وأمسكت بيدها بريق الأوسكار اللامع قبل أن يتنهّد ويجلس بكل عفوية على السُلّم وهو يلتهم "البرغر" (بحسب صورة إلتُقِطت له بعد إنتهاء فعاليات حفل توزيع جوائز الأوسكار) وكأنّه يستريح في إستراحة مُحاربٍ يتنفّس الصُعداء، محارب يمتلك سلاح فتّاك يتحكّم كالقوى الناعمة ألا وهو "الفن" وما أجمل من هكذا سلاح!

هذه التجربة التي خاضها خواكين تمنح أملاً للكثير من الممثلين الذين يعملون بشغف مُشابِه لشغفه في الفن بعدما صقل موهبته في التمثيل على مدار سنوات طويلة بالرغم من أنّ لديه مهارات ومواهب فنية أخرى، هذا ناهيْك عن فوزه بجائزة أفضل ممثل في فيلم يحمل رسالة وقضية تتمثّل بالتعاطف مع المهمّشين في المجتمع، وهنا لن نغوص بدائرة الدفاع أو محاربة العنف التي أثارت جدلاً واسعاً بالتزامن مع طرح فيلم "الجوكر" في مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لكن جُلّ ما يُهمّنا هنا هو التركيز على المهارات التي إعتمد عليها خواكين في تجسيد شخصية البطل في هذا الفيلم حتى أنّه خسر ثلاثة وعشرين كيلوغراماً من وزنه لتقديم هذا الدور وغيرها من العوامل التي ساعدته في إستحضار شخصية الجوكر.

في الختام، إنّ الجائزة التي حصل عليها خواكين فينيكس تُعَدّ جائزة لكل الممثلين حول كافة بلدان العالم مِمّن يتّبعون ذات النهج في خلق الروح الإنسانية للشخصية الدرامية بعيداً عن السطحيّات التي تنهك "سوق الدراما" خلال الآونة الأخيرة، فيُحارِبون لكي يبقوا سائرين على ذات النهج الشغوف بالفن الحقيقي...!

joaquin phoenix oscar 2 a1825