حينما غنّى زياد الرحباني واقِعنا "بالنسبة لبُكرا شو"...بِما إنّو "الجوع كافر"؟!

9:00
05-07-2020
أميرة عباس
حينما غنّى زياد الرحباني واقِعنا "بالنسبة لبُكرا شو"...بِما إنّو "الجوع كافر"؟!

"أنا مش كافر" هي عبارة تداولها اللبنانيون كثيراً وتصدّرت منصات التواصل الإجتماعي خلال اليوميْن المنصرميْن بالتزامن مع إزدياد عدد حالات الإنتحار في البلاد، فهي العبارة التي إختارها أحد المواطنين اللبنانيّين ليكتبها على ورقة قبل إقدامه على الإنتحار في إحدى مقاهي شارع الحمراء/ بيروت.

هذا الحادث الأليم كان كفيلاً بِزيادة حدّة الإكتئاب الجماعي الذي يُصيب الشعب اللبناني خلال الفترة الراهنة بالرغم من أنّه شعباً محبّاً للحياة ولطالما واجه الصعاب إذ أقْدم المُواطن علي محمد الهق على الإنتحار بسبب الضائقة المالية التي يُعاني منها في لبنان، وقبيْل إنتحاره، كتب "أنا مش كافر" على ورقة مستعيناً بذلك بأغنية الفنان العبقري زياد الرحباني التي تحمل هذا العنوان ضمن ألبوم "أنا مش كافر" الذي كان قد طرحه زياد عام 1985، وها نحن اليوم نُغنّي وجعنا على أنغام هذه الأغنية الشهيرة التي تقول كلماتها:" أنا مش كافر بس الجوع كافر أنا مش كافر بس المرض كافر أنا مش كافر بس الفقر كافر والزل كافر أنا مش كافر لكن شو بعملك إذا اجتمعوا فيي كل الإشيا الكافرين...".

بعد وقوع هذا الحادث، تداول اللبنانيّون كلمات هذه الأغنية بشكل كبير للتعبير عن مدى مرارة الوضع الراهن في الوطن الأم، لذلك، ما فعله هذا المواطن قبل إنتحاره، يجعلنا نتساءل عمّا لو بات الإنتحار الفردي بمثابة تضحية من أجل الجماعة لإيصال صرخة وجع! بالتأكيد لا نُبرِّر خطيئة الإنتحار لكن ما لا نُبرّره أيضاً الدوافع التي تجعل عدداً من أفراد الشعب اللبناني يُقدِمون على الإنتحار بسبب لقمة العيش وسعر الدواء! أَيُعقَل أنّنا أصبحنا نعيش كالأسرى في قمقم! لم يَعُد المواطن اللبناني يكترث اليوم سوى بكيفية تأمين "ربطة الخبز" لعائلته حتى لو كان من الطبقة المتوسّطة إقتصادياً التي تزول من بين الشرائح الإجتماعية راهناً! ولا شكّ في أنّ هذه إستراتيجية لأجندة سياسية تهدف إلى جعل المُواطن ينهمك في مشاكله اليومية لتحصيل لقمة العيش بدلاً من التطلّع لِطموح أكبر أبرزها الثورة في وجه السياسيّين الفاسدين من أجل إصلاح حال البلاد...

إنّها سياسة الجوع، التجويع والفقر التي تُمارَس على الشعب اللبناني الذي يرفع صوته عالياً لرفض ما نحن نعيشه اليوم في زمن نُحاول الخروج من قوقعته، ولعلّ الطبقة الحاكمة تَتَنبّه من مدى قسوة الجوع على المواطن إذ أنّ معركة البقاء على قيد الحياة والعيش بكرامة كانت كفيلة بقيام أهم الثورات في التاريخ السياسي ألا وهي الثورة الفرنسية التي إمتدت على مدار عشرة أعوام ضمن عدة مراحل بدءاً من عام 1789 م. لغاية عام 1799 م. حيث أنّ الجوع كان منتشراً حينذاك بين عامة الشعب الفرنسي بسبب شح المواد الأساسية كالخبز وارتفاع أسعار المحاصيل، فضلاً عن أسباب ودوافع أخرى لهذه الثورة أبرزها غياب العدالة الإجتماعية أي تماماً مثلما هو الحال اليوم في المجتمع اللبناني بين الطبقة الحاكمة وعامة الشعب.

هذا الوضع يجعل المواطن اللبناني يسأل "بالنسبة لبكرا شو؟"(مسرحية من تأليف وإخراج زياد الرحباني/ عام 1978)، فهل نكتفي فقط برؤية الوطن في أحلام المنام على طريقة الفنان زياد الرحباني بصوت الفنان الراحل جوزيف صقر:" قوم فوت نام وصير إحْلَم إنو بلدنا صارت بلد قوم فوت نام بهالأيام حارة بيسكّرها ولد هي بلد؟ لاء مش بلد! هي قرطة عالم مجموعين! مجموعين لاء! مطروحين لاء! مضروبين لاء! مقسومين... قوم فوت نام... وصير إحْلَم.."! (من مسرحية فيلم أميركي طويل/ تأليف وإخراج زياد الرحباني/ عام 1980).

لكن في نهاية المطاف، ما زال أمَلنا بِبلدنا كبير مع الإستعانة أيضاً بأغنية من كلمات وألحان زياد الرحباني قدّمتها سفيرتنا إلى النجوم فيروز " في أمل؟ إيه في أمل أوقات بيطلع من ملل وأوقات بيرجع من شي حنين لحظة تخفّف زعل...".