المسلسلات العربية القصيرة في العالم الرقمي:تبدُّلات السوق، تحوُّلات الدراما وأعمال جديدة تُحاكي "مزاج" الجمهور!

13:00
22-01-2020
أميرة عباس
المسلسلات العربية القصيرة في العالم الرقمي:تبدُّلات السوق، تحوُّلات الدراما وأعمال جديدة تُحاكي "مزاج" الجمهور!

أُعلِن خلال الفترة الأخيرة عن تحضير عدد من الأعمال الدرامية العربية القصيرة التي ستُعرَض عبر منصّات إلكترونية بعيداً عن الشاشة المُتلفَزة بما في ذلك مِن مواكبة لِعصر العالم الرقمي الذي نعيشه اليوم، لكن هل "موجة" المسلسلات القصيرة من جهة و"الأونلاين" من جهة أخرى هي ظاهرة جديدة، وما هي أسباب، مُسبِّبات وتبعات ذلك على سوق الدراما العربية؟!

الفن مُلزَم بِمُتطلّبات السوق و"لعبة إبن الكار"!

لِمعالجة هذا الموضوع يجب التشعّب في العديد من النقاط، لكن في بادئ الأمر لا بد من الإشارة إلى أنّ هناك مدرستيْن متعارضتيْن لوصف الفن وتحديداً فن الدراما، فهناك مدرسة تُقرّ بأنّ الفن هو إنعكاس للواقع أو لنقل الواقع كما هو، في مقابل مدرسة أخرى تعتبر أنّ الفن هو عبارة عن وسيلة للترفّع عن الواقع بهدف التوعية من سلبياته، لكن بغض النظر عن هاتيْن المدرستيْن، لا شكّ في أنّ الفن الدرامي هو "إبن بيئته" وملزوماً في التقيّد بمتطلّبات السوق -شِئْنا أم أبَيْنا- وهنا تكمن "لعبة إبن الكار" المُحنَّك والمُتَمثِّل بالجهة التي تصنع دراما من ثمّ تنتجها وتُوزّعها، ومن منطلق متغيّرات سوق الدراما اليوم، نبدأ الحديث في الأسباب الكامنة وراء تقديم مسلسلات عربية قصيرة عبر منصّات إلكترونية.

سوق الدراما "عرض وطلب"، إعلانات وتوزيع!

يتبدّل سوق الدراما بحسب سياسة العرض والطلب تماماً مثلما يحصل في السوق الإقتصادية -إن جاز التعبير- ولعلّ ما شهدته الدراما العربية من تحوّلات خلال العشر سنوات الأخيرة هو أكبر دليل على تبدّلات سوق الدراما، فمِن هيمنة المسلسلات التركية المُدبلجة إلى المسلسلات العربية المندمجة Pain Arab وصولاً إلى المشاكل والأزمات التي حلّت على سوق الإعلانات بسبب سوء الأوضاع الإقتصادية لأسباب سياسية-مالية وما إنعكس في ذلك من إنخفاض في قدرة القنوات التلفزيونية على شراء الأعمال الدرامية، وزَحَفت هذه العوامل مجتمعةً على سوق الدراما فتقلّص عدد المسلسلات، لذلك بات من الضروري إيجاد حلّاً كفيلاً لإنتاج أعمال درامية بكلفة إنتاجية أقل دون التأثير على جودتها، وقدرة أكبر على توزيعها مع خلق مواسم درامية جديدة. فأتت المسلسلات القصيرة "الإلكترونية" أو "المُتلفزة" كحل مثالي لهذا الوضع في سوق الدراما لناحية الإنتاج والتوزيع على حد سواء.

المسلسلات العربية القصيرة ليست وليدة اليوم

في البحث عن تاريخ المسلسلات القصيرة في العالم العربي، سنجد أنّها ليست وليدة اليوم بل شهدت حقبة الثمانينات ومطلع التسعينات على عرض بعض المسلسلات العربية القصيرة، ومنها المسلسلات المصرية الآتي ذكرها: اليقين، خالتي صفية والدير، صابر يا عم صابر وغيرها...
أما في الدراما الغربية، فتتعدّد الأمثلة حول المسلسلات القصيرة ونذكر على سبيل المثال المسلسل القصير Parade’s End الذي عُرض عام 2012، واللافت أنّ هذا العمل هو بإنتاج مشترك بين التلفاز الأميركي والبريطاني حيث تعاونت القناتيْن HBO وBBC في إنتاج وتوزيع هذا المسلسل.

 حبكة + إيقاع سريع= مسلسلات قصيرة

اليوم تعود الدراما العربية لتقديم مسلسلات قصيرة، وبالطبع هذا الأمر يحمل العديد من العناصر الإيجابية خاصة لناحية الإيقاع الدرامي السريع الذي ستفرضه أحداث تدور على مدار حلقات لا تتعدّى العشر أو الخمسة عشر حلقة كحد أقصى، بعيداً عن المُماطلة، وهنا ننوّه بأنّ "عقليّة" و"رغبة" المُشاهِد العربي باتت تتحكّم فيها لغة السرعة في زماننا المُعاصر ما يجعله يفضّل أكثر هذا النوع من المسلسلات القصيرة، ما سيفرض على صناع الدراما إعتماد نص ذي حبكة درامية بإيقاع سريع للأحداث.

على ذوق الجمهور الإلكتروني!

من جانب آخر، إنّ هذه المسلسلات القصيرة التي ستُعرض عبر منصات رقمية لعل أبرزها شاهد ونتفلكس، تُحاكي مزاج المُتلقّي العربي -ليس فقط لناحية سرعة أحداثها- إنما أيضاً لأنّه بات يمضي معظم وقته وراء الشاشة الإلكترونية (الحاسوب النقّال أو الهاتف الجوّال) ما سيجعله يُفضِّل متابعة الدراما عبر المنصات الرقمية بعيداً عن الشاشة الفضية المتلفزة مواكبة لعصر العالم الرقمي الذي نعيشه. وهنا يجب التنويه على أنّ هذا النوع من الأعمال الدرامية يفرض على صنّاعه تقديم أعمال بتقنيات أكثر تطوّراً مع التركيز على عامل الإبهار في التصوير والإخراج.

في سياق متصل منفصل، بما أنّ الدراما العربية تأثّرت مؤخراً بالأعمال التركية قبل أنْ تُثبت أنَّ المسلسلات التركية هي مجرد ظاهرة عابرة على الشاشة العربية بتاريخ قصير، نتوقّف هنا مع تاريخ الدراما التركية مع المسلسلات القصيرة التي عُرضت عبر الإنترنت حيث أنّ لها تجربة ناجحة في هذا الإطار، إذ عُرض المسلسل التركي "بهزات ج." على الإنترنت بشكل كبير في تركيا، ثمّ تم تحويل سلسلة القصص "أوتيسابي" إلى مسلسل تركي مؤلف من ثلاثة عشر حلقة عُرض على الإنترنت، فصار الإنترنت بمثابة بديل للتلفاز في تركيا مع هذا العمل!

ما هي شروط وقيود هذه المنصّات؟!

لن ننسى أيضاً أنّ عرض المسلسلات عبر الانترنت يجعلها خارج عباءة الرقابة وما تفرضه من قيود وشروط تكون صارمة في أحيان كثيرة رغم أنّ ما تعترض عليه قد يكون له ضرورة درامية، في مقابل ذلك، ستكون تلك الأعمال الجديدة مُلزَمة بشروط المنصة الإلكترونية التي ستعرضها، وعادةً ما تتطلّب تلك المنصّات فكرة تشويقية في النص بغاية جذب المُشاهِد مع حوار يتلاءم مع المجتمعات العربية كافةً لأنها تتفاوت في مدى تحرّرها، إلى جانب متطلّباتها التقنية، عَداك عن إسم البطل/ة الذي يُباع المسلسل على إسمه بحسب ما يُقال بلغة السوق الدرامي-الإعلامي-الإعلاني.
ويبقى التنبّه ضروري لصوْن هذه الأعمال من التسريب غير الشرعي عبر الانترنت.

خلق موسم درامي جديد والمُشاهِد ينتظره الكثير

النقطة الأخيرة التي يجب تسليط الضوء عليها هو أنّ هذا النوع من المسلسلات ساعد في خلق موسم درامي جديد بعيداً عن السباق الرمضاني وهذا ما يأتي في صالح الدراما العربية حيث ستعرض أعمالها على مدار العام دون أن تنحصر في موسم واحد بزخم عددي! بما في ذلك ضمانة لحقوق الجهات المُنتِجة التي تواظب على تقديم أعمال ذات قيمة فنية في أصعب الظروف الإنتاجية.


في الختام نشير إلى أنّ الجمهور العربي ينتظر خلال الفترة القادمة عرض عدداً من المسلسلات القصيرة ومنها ما سيُعرض عبر منصّات إلكترونية (شاهِد.نت) أبرزها مسلسلات: العميد، عهد الدم، في كل أسبوع يوم جمعة وغيرها من الأعمال التي سنحرص على متابعتها كي نُفصِّلها في مقالات لاحقة.