تحتفل دار الأوبرا المصرية غداً الخميس بعيد ميلاد السيدة فيروز، مقدّمة برنامجاً غنائياً خاصاً على المسرح الكبير تُحييه فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية بقيادة المايسترو أحمد عامر. ويأتي هذا الحفل تقديراً لمسيرة صوت وضع بصمته العميقة في الوجدان المصري، وللعلاقة الممتدة التي ربطت السيدة فيروز بمصر منذ خمسينات القرن الماضي. لم تكن علاقة السيدة فيروز بمصر مجرّد محطات فنية عابرة، بل رحلة بدأت عام 1955 حين وصلت مع الأخوين الرحباني إلى القاهرة بدعوة من إذاعة “صوت العرب”، بعد أن تعرّف الفنانون المصريون للمرة الأولى على صوتها عام 1954 خلال زيارة وفد فني مصري إلى لبنان. هناك، سحرت الشابة فيروز، ذات التسعة عشر عاماً، يوسف وهبي ومديحة يسري وأمينة رزق حين غنّت أمامهم في أنطلياس، ففتحت تلك اللحظة الباب لزيارة تاريخية. في القاهرة، احتضنت الإذاعة المصرية موهبتها بسرعة، واتُّفق على تسجيل عشرات الأغنيات بصوتها، كما استقبلها محمد عبد الوهاب في منزله بحفاوة بالغة، معجباً بصوتها وبالتجربة الرحبانية. وخلال ستة أشهر من الإقامة في مصر، سجّلت فيروز أكثر من أربعين عملاً بين الأغنية القصيرة والقصيدة والأعمال الإذاعية، وكان من أبرز ما أنتجته خلال تلك الفترة العمل المعروف “راجعون”. بعد أحد عشر عاماً، عادت السيدة فيروز إلى مصر عام 1966 بدعوة رسمية من وزارة الإرشاد القومي، وفي هذه الزيارة حملت القاهرة استقبالاً شعبياً وإعلامياً واسعاً. ظهرت في الصحف أمام النيل وبرج القاهرة، وزارت مبنى “ماسبيرو”، والتقت محمد عبد الوهاب مجدداً ليستمع مطولاً إلى مسرحية “أيام فخر الدين”، كما زارت كوكب الشرق أم كلثوم في منزلها، حيث جمعت بينهما جلسة طويلة أبدت خلالها كوكب الشرق إم كلثوم إعجابها الكبير بصوت السيدة فيروز، مؤكدة أن “ثلاثين مليون مصري في انتظارها”. شهدت تلك الزيارة أيضاً تكريماً رسمياً في معهد الموسيقى العربية، وضمّها إلى “جمعية أصدقاء موسيقى سيد درويش” عضواً شرفياً تقديراً لدور الرحابنة في إحياء هذا التراث. أما الزيارة الثالثة والأخيرة فكانت عام 1976، حين أحيت السيدة فيروز أربع حفلات في حديقة الأندلس على ضفاف النيل، وقدّمت خلالها تحية موسيقية إلى مصر احتفالاً بانتصارات أكتوبر: “مصر عادت شمسك الذهب”. ورغم النجاح الجماهيري الكبير، رافقت الحفلات مشاكل تنظيمية أثّرت في تجربتها، إلى جانب حملة إعلامية مفاجئة أعقبت تصريحاً صحافياً لبنانيّاً قورن فيه صوتها بصوت كوكب الشرق أم كلثوم. هذه الظروف جعلت تلك الزيارة آخر مرة تغني فيها فيروز في القاهرة، قبل حفلها الشهير عند سفح الأهرامات عام 1989 منفردة من دون الأخوين رحباني. اليوم، ومع احتفال دار الأوبرا بعيد ميلاد السيدة فيروز، تؤكد القاهرة أن صوت السيدة فيروز سيبقى جزءاً من وجدانها الفني، وأن “جارة القمر” ما زالت رمزاً للحب والذاكرة والهوية الثقافية التي تتجاوز حدود الزمن. ورغم مرور عدة أيام وأسابيع على عيد ميلادها، يبقى الاحتفاء بها قائماً وكأن المناسبة لا تنتهي، دليلاً على حضورها الدائم في الوجدان المصري والعربي.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









