اليوم العالمي للسعادة: فرصة لنبني عالمًا أكثر إيجابية

منذ الأزل، كان البحث عن السعادة هو الدافع الأكبر وراء تطلعات الإنسان، فهي ليست مجرد شعور عابر، بل هي جوهر الحياة وروحها. وبما أن اليوم هو اليوم العالمي للسعادة، لا بدّ أن نلقي الضوء على هذا المفهوم الفلسفيّ, اليوم، يجتمع العالم ليؤكد أن السعادة ليست رفاهية، بل حق أساسي لكل إنسان. إنها القوة التي تمنحنا القدرة على مواجهة التحديات، والنور الذي يضيء طريقنا وسط ضغوط الحياة. ومع تطور المجتمعات، أدركت الدول أن تحقيق السعادة ليس مسؤولية فردية فقط، بل هو جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة والرفاهية العامة. فكيف يمكننا تحقيقها؟ في هذا المقال، سنتناول مفهوم السعادة، أهميتها في حياة الإنسان، دور الحكومات والمجتمعات في تعزيزها، وكيفية تحقيقها على المستوى الفردي.
والجدير بالذكر أنّ طرح فكرة تحديد يوم عالمي للسعادة، تعود للناشط والفيلسوف والمستشار الخاص للأمم المتحد جايمي ليان عام 2011 بهدف إلهام الناس جميعا حول العالم للاحتفال بالسعادة في يوم مخصص لها، وتعزيز حركة السعادة العالمية. وبالتالي، قام ليان بحملة لتوحيد تحالف عالمي يضم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، وحصل على موافقة الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون ، لدعم مفهوم إنشاء يوم تقويمي رسمي جديد للأمم المتحدة معروف باليوم الدولي للسعادة. واختار جايمي ليان تاريخ 20 مارس على اعتباره يوافق يوم الاعتدال الربيعي، وهي ظاهرة عالمية تحدث حول العالم في الوقت نفسه وبذلك سيشعر الناس حول العالم جميعهم بالشعور ذاته في نفس الوقت.
في اليوم العالمي للسعادة لا بدّنا لنا أن ننوّه إلى أنّ السعادة ليست مجرد شعور إيجابي، بل هي عنصر أساسي يؤثر على جودة حياة الإنسان وصحته بشكل عام. فالعديد من الدراسات العلمية أثبتت أن الأشخاص السعداء يتمتعون بصحة أفضل، حيث تقل لديهم معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والضغط والسكري. كما أن السعادة تعزز الجهاز المناعي، مما يجعل الإنسان أكثر قدرة على مقاومة الأمراض.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر السعادة على الأداء الذهني والإنتاجية، إذ وجدت الأبحاث أن الأشخاص السعداء أكثر إنتاجية وإبداعًا في العمل، ولديهم قدرة أكبر على حل المشكلات واتخاذ القرارات بفعالية. كما أن السعادة تسهم في بناء علاقات اجتماعية قوية، حيث يكون الأفراد الأكثر سعادة أكثر قدرة على التفاعل بإيجابية مع الآخرين، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويقلل من الشعور بالوحدة والعزلة.
ولا مناص من القول أنّ السعادة ليست مسؤولية فردية فحسب، بل تلعب الحكومات والمجتمعات دورًا أساسيًا في تعزيزها من خلال توفير بيئة مناسبة للحياة الكريمة. في السنوات الأخيرة، بدأت العديد من الدول بقياس مؤشرات السعادة إلى جانب المؤشرات الاقتصادية، حيث أصبح رفاهية الأفراد معيارًا لنجاح الدول وليس فقط معدلات النمو الاقتصادي. على سبيل المثال، دولة الإمارات العربية المتحدة خصصت وزارة للسعادة لتطوير سياسات تعزز جودة الحياة. كذلك، تعتمد دولة بوتان مؤشر السعادة القومية الإجمالية كبديل عن الناتج المحلي الإجمالي لقياس التقدم في الدولة. هذه السياسات تعكس فهمًا حديثًا لدور الحكومات في تحقيق الرفاهية للمواطنين.
من ناحية أخرى، تسهم المجتمعات بدور أساسي في تعزيز السعادة من خلال دعم القيم الإيجابية مثل التكافل الاجتماعي، التطوع، ومبادرات نشر الفرح بين الأفراد. فالمجتمعات التي تتبنى ثقافة التعاون والتراحم بين أفرادها تكون أكثر سعادة واستقرارًا، حيث يشعر كل فرد فيها بأنه جزء من كيان داعم.
كيف نحقق السعادة في حياتنا اليومية؟
تحقيق السعادة ليس بالأمر المستحيل، فهو يعتمد على تبني مجموعة من العادات الإيجابية التي تسهم في تحسين الحالة النفسية والعاطفية. إليك بعض الطرق التي تساعد في تعزيز الشعور بالسعادة:
ممارسة الامتنان: يعد الامتنان من أكثر العوامل التي تعزز الشعور بالسعادة، حيث يساعد الإنسان على التركيز على الأشياء الإيجابية في حياته بدلاً من التركيز على المشاكل. يمكن تحقيق ذلك من خلال كتابة قائمة يومية بالأشياء التي يشعر الإنسان بالامتنان تجاهها.
ممارسة الرياضة والتأمل: التمارين الرياضية تطلق هرمونات السعادة مثل الإندورفين، مما يحسن الحالة المزاجية ويقلل التوتر والقلق. كذلك، يساعد التأمل على تحقيق الاسترخاء العقلي والنفسي.
بناء علاقات اجتماعية قوية: التفاعل مع الأصدقاء والعائلة والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية تسهم بشكل كبير في تعزيز السعادة وتقليل الشعور بالوحدة. العلاقات الجيدة هي أحد أقوى العوامل التي تؤثر على السعادة طويلة المدى.
تحقيق التوازن بين العمل والحياة: الضغط المستمر في العمل قد يؤدي إلى التوتر وفقدان الشعور بالسعادة. لذلك، من الضروري تخصيص وقت للراحة وممارسة الهوايات وقضاء أوقات ممتعة مع العائلة والأصدقاء.
التطوع ومساعدة الآخرين: العطاء والإحسان من الأمور التي تمنح الإنسان شعورًا عميقًا بالرضا والسعادة، حيث أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال الخيرية والتطوع يشعرون بسعادة أكبر.
السعادة ليست رفاهية بل حاجة إنسانية أساسية تؤثر على جودة الحياة والمجتمع ككل. في اليوم العالمي للسعادة، يجب أن نتذكر أن تحقيق السعادة لا يرتبط فقط بالظروف الخارجية، بل يعتمد بشكل كبير على نظرتنا للحياة واختياراتنا اليومية. سواء من خلال تعزيز العادات الإيجابية، أو عبر السياسات الحكومية والمجتمعية التي تدعم الرفاهية، يمكننا جميعًا المساهمة في خلق عالم أكثر سعادة. فلنجعل هذا اليوم فرصة لنشر الفرح والتفاؤل، لأن السعادة حق للجميع!
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية