كيف تؤثر البكتيريا في أمعائنا على مزاجنا وسلوكنا؟

14:51
30-08-2024
كيف تؤثر البكتيريا في أمعائنا على مزاجنا وسلوكنا؟

تعد ميكروبات الأمعاء جزءاً أساسياً من النظام البيئي البشري، حيث تحتوي الأمعاء على أكثر من ألف نوع من البكتيريا. هذه الكائنات الدقيقة لا تعيش فقط في توازن دقيق، بل تتفاعل أيضاً مع بعضها البعض ومع خلايا الجسم بطرق معقدة. على سبيل المثال، تقوم بعض بكتيريا الأمعاء بإنتاج أحماض دهنية قصيرة السلسلة مثل البوتيرات، التي تعتبر مهمة في تغذية خلايا الأمعاء ولها تأثيرات مضادة للالتهابات.

تتكون ميكروبات الأمعاء، أو الميكروبيوم المعوي، من تريليونات من البكتيريا والفطريات والفيروسات والبروتوزوا التي تعيش في الجهاز الهضمي. تلعب هذه الميكروبات دوراً حيوياً في هضم الطعام، وإنتاج الفيتامينات، وتعزيز نظام المناعة، كما تفرز مواد كيميائية يمكن أن تؤثر على الدماغ. في العقود الأخيرة، زاد الاهتمام بالصحة العقلية بشكل ملحوظ، وأصبح من الواضح أن الصحة العقلية والصحة الجسدية مترابطتان بشكل وثيق، مع اكتشافات تشير إلى العلاقة بين ميكروبات الأمعاء والصحة العقلية.

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن توازن ميكروبات الأمعاء يمكن أن يؤثر بشكل كبير على وظائف الدماغ، المزاج، والسلوكيات. الصحة العقلية، التي تشمل الاضطرابات النفسية مثل القلق، الاكتئاب، الاضطراب ثنائي القطب، واضطراب طيف التوحد، أصبحت هدفاً رئيسياً للأمم المتحدة في إطار أهداف التنمية المستدامة. في عام 2019، قُدر عدد الأفراد الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بنحو 970 مليوناً، ما يبرز أهمية التعامل مع هذه المسائل.

الميكروبات المعوية تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الصحة العامة. الدراسات أظهرت أن خلل التوازن البكتيري في الأمعاء يرتبط بأمراض مزمنة مثل السمنة ومرض السكري وبعض السرطانات، كما ثبت وجود ارتباط بين ميكروبات الأمعاء والصحة العقلية. الكائنات الدقيقة في الأمعاء يمكن أن تؤثر على الدماغ والصحة العقلية بعدة طرق، مثل التفاعل عبر العصب الحائر (Vagus nerve)، وتنظيم الإشارات المناعية العصبية، واستقلاب التربتوفان، وإنتاج المركبات العصبية النشطة.

المحور الجرثومي المعوي العصبي هو نظام التواصل بين الأمعاء والدماغ، ويشمل إشارات عصبية، هرمونات، وجزيئات مناعية تنتقل بين الجهاز العصبي المركزي والأمعاء. هذا المحور ينظم وظائف الجهاز الهضمي وله تأثير أيضاً على الحالة المزاجية والسلوك.

الأبحاث أظهرت أن ميكروبات الأمعاء يمكن أن تؤثر على الصحة العقلية من خلال إنتاج النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، وتنظيم الجهاز المناعي، وتأثيرها على الحاجز الدموي الدماغي. الدراسات أظهرت أيضاً أن التعديلات على ميكروبات الأمعاء، من خلال البروبيوتيك أو النظام الغذائي، يمكن أن تحسن الحالة المزاجية وتقلل من مستويات القلق والاكتئاب.

ومع التقدم في فهم العلاقة بين ميكروبات الأمعاء والصحة العقلية، يبقى هناك تحديات، بما في ذلك التنوع الكبير في الميكروبيوم بين الأفراد. ومع ذلك، فإن هذا المجال يوفر فرصاً كبيرة لتطوير علاجات جديدة وشخصية تعزز الصحة العقلية من خلال تحسين صحة الأمعاء. التفاعل بين العلاجات التقليدية والتغذية والعناية بالميكروبات قد يحدث تقدماً كبيراً في علاج وتحسين الصحة العقلية.