ثورة في عالم الطبّ ... غرسة دماغية تعالج مرض الوسواس القهري والصرع

17:38
05-02-2024
ثورة في عالم الطبّ ...  غرسة دماغية تعالج مرض الوسواس القهري والصرع

مكنت آمبر بيرسون البالغة من العمر 34 عامًا، بفضل غرسة دماغية، من تغيير حياتها بشكل جذري، فهي كانت تعاني من اضطراب الوسواس القهري وكان يسيطر على حياتها. على سبيل المثال كانت تقوم بغسل يديها حتى تنزف أو تتحقق تكراراً من إغلاق النوافذ، وكانت تخشى الإصابة بالعدوى حتى باتت تناول الطعام بمفردها خوفاً من العدوى. وهذه الإمرأة الأميركية هي أول شخص يُزَوَّد بجهاز صغير مماثل بالحجم لضمادة صغيرة، في الجزء الخلفي من دماغها، مما قلّص اضطرابات الوسواس القهري ونوبات الصرع التي كانت تعانيها. ويمثل هذا الجهاز تقدّماً علمياً واعداً غيّر حياة المريضة بشكل جذري.

وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، تقول آمبر بيرسون التي تقيم في ولاية أوريغون غرب الولايات المتحدة "تحسّنت حياتي وبتّ حاضرة فيها، وهذا أمر مذهل"، مضيفةً "قبل ذلك، كنت محاصرة باستمرار داخل ذهني ومنشغلة في هواجسي". تجدر الإشارة إلى أن اضطرابات الوسواس القهري الحاد تستهلك "ثماني أو تسع ساعات" من يومها، مما يتسبب في عزلتها اجتماعيا.

بالإضافة إلى ذلك، كانت قبل الخلود إلى النوم، تتأكد من أنّ الأبواب والنوافذ مغلقة، وتمديدات الغاز غير مشغّلة والكهرباء مفصولة عن الأجهزة. حتّى أنها كانت تستحم في كل مرة تهتم بقطتها، وكانت تغسل يديها جيداً لدرجة أن تصبح مفاصلها جافة وتنزف. وغالباً ما كانت تفضّل تناول الطعام بمفردها لا مع أفراد عائلتها أو أصدقائها. ولكن بعدما خضعت لعملية الغرسة، باتت اضطرابات الوسواس القهري تأخذ نحو ثلاثين دقيقة فقط من يومها.

في التفاصيل، ترسل الغرسة التي يبلغ قطرها 32 ملم نبضا كهربائيا عندما ترصد ردود أفعال غير طبيعية في دماغ المريض لاستعادة الأداء الطبيعي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقنية وتسمى التحفيز العميق للدماغ، تستخدم منذ أكثر من 30 سنة لعلاج الصرع.

لكن دورها في الحد من اضطرابات الوسواس القهري كان لا يزال غير مفهوم ويقتصر على الأبحاث التجريبية.

ولكن آمبر بيرسون هي من اقترحت علاج مرضها فقالت "بما أنكم ستدخلون إلى دماغي لتضعوا قطبا كهربائيا لمعالجة الصرع وبما انني مصابة أيضاً باضطراب الوسواس القهري، هل يمكنكم غرس قطب يساعدني في التغلب على هذا الاضطراب النفسي؟". يقول جراح الأعصاب أحمد رسلان "لحسن الحظ أخذنا هذا الاقتراح على محمل الجد".

وراقب الأطباء نشاط دماغها، من خلال إعطائها مثلاً مأكولات بحرية، وهي أحد أنواع الأطعمة التي تسبب لها التوتر. وقد أتاح لهم ذلك تحديد "العلامات الكهربائية" المرتبطة بالوسواس القهري. وانتظرت بيرسون ثمانية أشهر قبل أن تلاحظ التغييرات الأولى في تصرّفاتها.

وأعربت بيرسون عن مدى سعادتها قائلةً: "بتّ سعيدة مجددا ومتحمسة للخروج والعيش حياة طبيعية والتواجد مع أصدقائي وعائلتي الذين انقطعت عنهم لسنوات".

وحظيت هذه العملية بإشادة في مجلة علمية. وتجرى حاليا دراسة في جامعة بنسلفانيا لمعرفة كيف يمكن تطبيق هذه التقنية على مرضى آخرين، بحسب جراح الأعصاب أحمد رسلان.

بعثت هذه العملية الأمل في الولايات المتحدة حيث تطال اضطرابات الوسواس القهري نحو مليونين ونصف مليون شخص.

وتحظى الغرسات الدماغية عموماً باهتمام متزايد. فقد أعلنت شركة "نيورالينك" التي شارك في تأسيسها إيلون ماسك، الاثنين أنها نجحت في إجراء أول عملية زرع شريحة دماغية لمريض. وتشير الشركة الناشئة إلى رغبتها في استخدام هذه الشريحة لتتيح للبشر التواصل مع أجهزة الكمبيوتر، ولكنها تسعى أيضا إلى جعل المصابين بالشلل يعاودون المشي والمكفوفين يستعيدون النظر.

ختاماً، تتجلى قوة الطب والتكنولوجيا في تحول حياة آمبر بيرسون، التي واجهت الوسواس القهري والصرع، وأصبحت اليوم شهادة حية على فعالية التحفيز العميق للدماغ. فالجهاز الصغير الذي تم زرعه في دماغها أحدث تحولاً رائعاً في واقعها، فتغلبت بفضله على العقبات التي كانت تعترض طريقها.

فضلاً عن ذلك، تفتح تلك التقنية الباب أمام آفاق جديدة في عالم الطب، وتشكل نقطة تحول في علاج اضطرابات الوسواس القهري والصرع.