الجنين يتحكم في غذائه: اكتشاف علمي يثير الدهشة

14:11
17-01-2025
الجنين يتحكم في غذائه: اكتشاف علمي يثير الدهشة

كشف باحثون من جامعة كامبريدج البريطانية عن آلية فريدة يستطيع الجنين من خلالها التحكم في طبيعة المغذيات التي يحصل عليها من الأم أثناء الحمل، بالاعتماد على جين معين ينتقل إليه من الأب. ووفقًا للدراسة التي نشرتها مجلة "Cell Metabolism" و"الجزيرة"، يلعب هذا الجين دورًا رئيسيًا في التأثير على عملية الأيض لدى الأم، مما يتيح للجنين الحصول على حاجته من المغذيات لضمان نموه بشكل سليم.

في التفاصيل، تشير الدراسة إلى أن هذه الآلية تعمل عبر إشارات هرمونية تنتقل من الجنين إلى الأم من خلال المشيمة. في هذا الإطار، تصف الباحثة أماندا بيري، اختصاصية علوم الأجنة وزميلة كلية سانت جون في جامعة كامبريدج، هذا الاكتشاف بأنه "أول دليل مباشر يثبت أن الجين الموروث من الأب يرسل إشارات للأم لتوفير المغذيات اللازمة لنمو الجنين". أضافت أماندا بيري إلى أن الأجنة الذين يعانون من خلل في الجين المذكور قد يعانون من نمو مفرط أو قصور في عملية النمو داخل الرحم، ولكن الباحثين لم يستطيعوا حتى الآن تحديد الجزء المسؤول داخل الجين عن توجيه الإشارات من أجل زيادة المغذيات التي يحصل عليها الجنين من جسم أمه".

كما يؤكد الباحثون أن المشيمة، التي تربط بين الأم والجنين طوال فترة الحمل، تلعب دورًا رئيسيًا في هذه العملية، حيث تنتج هرمونات تؤثر على توازن عملية الأيض لدى الأم. هذه الهرمونات تقلل حساسية أنسجة الأم للإنسولين، مما يزيد من مستوى الغلوكوز في الدورة الدموية ويعزز إمدادات الغذاء المتاحة للجنين.

من جانبه، يضيف البروفيسور ميجيل كونستانسيا من معهد "ويلكام إم آر سي" البحثي أن "الجين المعروف بـ'آي جي إف 2' (Igf2) الذي ينتقل من الأب، يتميز بسعيه لتعزيز نمو الجنين من خلال تحسين إمدادات المغذيات من جسم الأم". وقد أثبت الباحثون أن تعطيل هذا الجين يؤدي إلى نقص في كمية الغلوكوز والدهون في الدورة الدموية للأم، مما يعيق حصول الجنين على احتياجاته الغذائية اللازمة للنمو الطبيعي.

في المقابل، تسعى الجينات الموروثة من الأم إلى ضبط نمو الجنين بما يضمن الحفاظ على صحة الأم، لتجنب استنزاف مواردها، وضمان فرصها في الحمل والإنجاب مستقبلاً. وتوضح بيري أن هذا التوازن "يُعد ضروريًا لضمان استمرارية الحمل بطريقة صحية لكل من الأم والجنين".

والجدير ذكره أنّ الباحثون توصلوا إلى أن خللًا في هذا الجين يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في نمو الجنين، سواء بزيادة مفرطة أو قصور في النمو داخل الرحم. ورغم هذه النتائج المهمة، لا يزال الباحثون يعملون على تحديد الآليات الدقيقة التي تتحكم في الإشارات الناتجة عن الجين "Igf2"، ودورها في تحسين تحويل المغذيات من الأم إلى الجنين. كما وجد الباحثون أيضا أن حذف جين "آي جي إف 2" (Igf2) من خلايا المشيمة يؤثر على إنتاج هرمونات أخرى تنظم إفراز الإنسولين في البنكرياس، ويؤثر أيضا على استجابة الكبد والأنسجة المسؤولة عن عملية الأيض. وتقول أماندا بيري "لقد وجدنا أن الجين "آي جي إف 2″ يتحكم في الهرمون المسؤول عن تقليل الحساسية تجاه الإنسولين في جسم الأم أثناء فترة الحمل، أي أن أنسجة الأم لا تستطيع امتصاص الغلوكوز، مما يزيد من كمية المغذيات المتاحة للجنين في الدورة الدموية للأم".

مع الإشارة إلى انّ هذه الدراسة من جامعة كامبريدج تشكل خطوة هامة نحو فهم أعمق للآليات البيولوجية التي تحكم العلاقة بين الأم والجنين خلال فترة الحمل، حيث تكشف عن دور جينات الأب في التأثير على إمدادات المغذيات للجنين، مما يساهم في تعزيز نموه بشكل مثالي. ما تم اكتشافه يفتح الباب لمزيد من الأبحاث التي قد تؤدي إلى تطوير استراتيجيات جديدة لتحسين صحة الأجنة والمساعدة في الوقاية من الاضطرابات المتعلقة بالنمو، سواء كان ذلك بسبب نقص المغذيات أو اضطراب في عملية الأيض.

فإن تأثير الجين "آي جي إف 2" على المشيمة وعلاقته بعملية الأيض لدى الأم يقدم رؤية جديدة حول الصراع البيولوجي بين الأم وطفلها، حيث يحاول الجنين الحصول على أكبر قدر من المغذيات، بينما تحاول الأم الحفاظ على توازن صحي يضمن استدامة حملها وصحتها الإنجابية المستقبلية. وبالتالي، فإن هذه النتائج تسلط الضوء على الأهمية الكبرى لضبط هذه العمليات البيولوجية الدقيقة بشكل مناسب خلال فترة الحمل.

وعلاوة على ذلك، تساهم هذه الدراسة في إثراء فهمنا لآلية الحمل كعملية معقدة تتطلب توازناً دقيقاً بين احتياجات الأم والجنين على حد سواء. كما تعكس أهمية المشيمة ليس فقط كعضو ناقل للمغذيات والأوكسجين، بل كمركز فعال للاتصالات الهرمونية التي تدير هذا التوازن الحيوي. من خلال فهم هذا النظام، يمكن للطبيبة والأطباء تقديم رعاية أفضل للحوامل، والتدخل في الحالات التي قد تشهد اختلالات في هذه العملية الطبيعية.

في النهاية، تساهم هذه الأبحاث في تعزيز الأدوات التشخيصية والعلاجية المتاحة، خاصة بالنسبة للأمهات اللاتي يعانين من مشاكل متعلقة بالسكري أثناء الحمل أو ضعف في نمو الجنين. وهذا يمكن أن يساهم في تحسين نتائج الحمل والولادة، وكذلك في الوقاية من المشاكل الصحية المستقبلية لكل من الأم والطفل.