في اكتشاف علمي قد يفتح آفاقًا جديدة للعلاج غير الدوائي، كشفت دراسة كندية حديثة أن ممارسة الرقص بانتظام يمكن أن تبطئ، وربما توقف، التدهور الإدراكي المرتبط بمرض باركنسون، المعروف شعبياً بالشلل الرعاش.
وما يزيد أهمية النتائج، هو أن بعض المرضى أظهروا تحسنًا معرفيًا خلال فترة الدراسة التي امتدت لست سنوات، في ما وصفه الباحثون بأنه نتيجة غير مسبوقة.
الدراسة، التي قادها فريق من جامعة يورك في تورونتو ونُشرت في دورية Journal of Alzheimer’s Disease، تُعد من أطول الدراسات التي تتبعت تأثير الفنون الحركية على القدرات العقلية لدى المصابين بباركنسون.
وأوضح جوزيف دي سوزا، الأستاذ المشارك في كلية الصحة بجامعة يورك والمشرف على البحث، أن المسار الطبيعي للمرض يتجه نحو تدهور إدراكي تدريجي مع مرور الوقت، “لكن أن نرى مجموعة كاملة من المرضى لا تسجل أي تراجع خلال ست سنوات، فهذا أمر بالغ الأهمية”.
عادةً ما يُعرف مرض باركنسون بالارتعاش واضطرابات الحركة، لكن نحو 80% من المرضى يعانون لاحقًا من ضعف إدراكي شديد مع تقدم المرض، ما يجعل أي وسيلة لتأخير هذا التدهور محط اهتمام عالمي.
وشملت الدراسة 43 مريضًا شاركوا في برامج رقص متخصصة لمرضى باركنسون، تقدمها فرقة “الباليه الكندي الوطني” ومجموعة “Dance for Parkinson’s” في تورونتو، بينما ضمت المجموعة المرجعية 28 مريضًا لم يمارسوا أي نشاط بدني منتظم.
تنوّعت حصص الرقص بين تمارين الإحماء أثناء الجلوس لتهيئة العضلات والأعصاب، وتدريبات مستوحاة من رقص الباليه لدعم التوازن، إضافةً إلى رقصات أرضية وجماعية تتطلب التنسيق والانتباه.
في إحدى المجموعات، تعلم المشاركون روتينًا كاملًا استعدادًا لأداء مسرحي، ما زاد من مستوى التحدي الذهني والحركي.
وأظهرت القياسات الإدراكية أن المشاركين في الرقص حافظوا على مستوياتهم المعرفية طوال ست سنوات، بل تحسنت درجات بعضهم، بينما سجّل أفراد المجموعة المرجعية تراجعًا طفيفًا أو عدم تحسن.
وعلّقت الباحثة الرئيسية سيمران روبراي: “لا نستطيع إعادة بناء الدماغ، لكن يبدو أن الرقص قادر على تأخير التدهور وربما تحسين بعض القدرات المعرفية. وهذا إنجاز مهم لمرض يصعب التحكم بمساره”.
ويشير الباحثون إلى أن الرقص ليس مجرد حركة رياضية، بل نشاط يحفّز عدة أنظمة عصبية في آن واحد، إذ يتطلب الاستماع للموسيقى وضبط الحركة وفق الإيقاع، وتعلم خطوات جديدة وتذكّر تسلسلها، والتركيز البصري والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، إلى جانب تحريك الجسم بطرق متكررة ومدروسة.
وأكدت روبراي: “الرقص نشاط ذهني وجسدي واجتماعي في آن واحد، وهذا ما يمنحه تأثيرًا فريدًا على الدماغ”.
وكانت دراسات سابقة قد أظهرت أن الرقص يحسّن الأعراض الحركية لباركنسون، ويخفف الاكتئاب والعزلة الاجتماعية، ما يجعله أحد أكثر الأنشطة تكاملاً للمرضى.
ويعمل فريق دي سوزا حاليًا مع “أكاديمية بايكريست للأبحاث” على دراسة جديدة لقياس التغيرات في الذاكرة العاملة لدى مرضى يشاركون في حصص أسبوعية، وسط توقعات بنتائج واعدة قد تؤكد الدور الوقائي للرقص على القدرات العقلية.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









