“روزمارِي”… تجربة مسرحية تهزّ المشاعر وتفوق كل التوقّعات!

من توقيع الكاتب إيلي مكرزل، وإخراج شادي الهبر، وبتمثيل لافت لكل من بياريت قطريب ومايا يمّين، تواصل مسرحية “روزمارِي” إحراز نجاح استثنائي، محققة إقبالًا كبيرًا وتفاعلًا قلّ نظيره على الخشبة اللبنانية.منذ اللحظة الأولى، يخطف العرض أنفاس الحاضرين. فـ مايا يمّين تقدّم أداءً عميقًا وحقيقيًا، تتنقّل خلاله بين الانهيار والقوة، بين الهشاشة والصلابة، فتجعل الجمهور يرى نفسه في كل تفصيل. أمّا بياريت قطريب، فتُثبت مجددًا قدرتها على امتلاك المسرح، بأداء يجمع بين الحرفية العالية والعفوية، مقدّمة مشاهد تُضحك وتُبكي في آنٍ واحد.اللافت أنّ الضحكات التي تتردّد في القاعة ليست منفصلة عن الدموع. العمل يقدّم لحظات كوميديا سوداء تُخفّف ثقل الوجع، قبل أن يعيد غرز الحقيقة في قلب المشاهد بمشاهد عاطفية صادقة. الجمهور بدا متأثرًا إلى حد كبير، يتنقل بين البسمة والدمعة، في تجربة تُشبه مواجهة الذات على الخشبة.ويبرز في “روزمارِي” النص الذي يُشبه الناس… نصّ واقعي من يومياتنا، من بيوتنا، من علاقاتنا وانكساراتنا. الكلمات قريبة من المتلقي، صادقة، طبيعية، تُقال كما تُقال في الحياة، وهذا ما جعل الجمهور يشعر أنّه يسمع نفسه ويرى نفسه في كل مشهد.أمّا على مستوى الرؤية الإخراجية، فقد قدّم شادي الهبر معالجة متقنة أضافت الكثير إلى النص. اشتغل على الإيقاع، على حركة الممثلتين، على الفراغ، وعلى التفاصيل الصغيرة التي تُحدث الفرق. الإخراج هنا لم يكن إطارًا للعمل بل روحًا تُرافقه من البداية حتى النهاية.ولا يمكن تجاهل دور الإضاءة التي لعبت دورًا أساسيًا في تشكيل الحالة الدرامية. الضوء في “روزمارِي” ليس مجرد تقنية بل لغة. تغيّراته بين الدفء والبرودة، بين الشدة والنعومة، عكست حالات الشخصيات وعمّقتها، فحوّلت المشاهد إلى لوحات مشحونة بالإحساس.وما زاد تأثير العمل عمقًا أنّ دموع الممثلتين كانت حقيقية بالكامل. ليست دموع أداء ولا تقنية، بل دموع مشحونة بالصدق والانفعال، انعكست على كل لحظة في المسرحية، وجعلت التفاعل مع الشخصيتين يصل إلى ذروته.”روزمارِي” ليست مجرّد مسرحية… إنها تجربة إنسانية كاملة تُثبت أن الخشبة ما زالت قادرة على إحداث الدهشة كل ليلة.