"كفرناحوم" فيلم القضيّة الإنسانيّة... يَبدأ بِاليَأس وينتهي بالإبتسامة!

7:00
26-09-2018
أميرة عباس
"كفرناحوم" فيلم القضيّة الإنسانيّة... يَبدأ بِاليَأس وينتهي بالإبتسامة!

"حَطْ إيدو عالجرح وصَرَخ" هكذا فَعَل فيلم "كفرناحوم" بوجدان مَن شاهده لِما يحمله هذا العمل السينمائي الإستثنائي من قضايا إنسانية بل وأكثر لأنّه يجعلنا نستفيض من المشاعر الإنسانية ونشعر مع كل فرد يُعاني من بؤس المجتمع الذي لم يختاره، وبالفعل إستطاع هذا الفيلم اللبناني أن يخدم رسالة الفن الحقيقيّة بِمُلامسة الوجدان والتيقّظ من سُبات مجحف بحق الآخرين دون التعاطف معهم!

 

فيلم "كفرناحوم" من بطولة نادين لبكي، زين الرافعي، كوثر الحداد، وفادي يوسف، من تأليف ميشيل كسروان ونادين لبكي بمشاركة الفنان جورج خبّاز، إنتاج خالد مزنّر وإخراج نادين لبكي.

 

يُستهَل الفيلم بمشهدٍ يظهر فيه الفتى اليائس زين (إسمه الحقيقي زين الرافعي) وهو داخل أروقة المحكمة، وتليه لقطات تظهر خلالها بعض العاملات الآسيويات، ثمّ ينتقل بنا الفيلم إلى أحداث الماضي على طريقة "فلاش باك" لتنطلق قصّة العمل الذي يُعَد - دراميّاً- من نوع المدرسة الواقعيّة في المُعالجة السينمائية.

 

اللّافت في فيلم "كفرناحوم" أنّه إرتكز على قصّة الفتى زين ومأساته مع الفقر والعَوَز لكن تخلّل الفيلم العديد من القضايا الأخرى مثل زواج القاصرات، قلّة التوعية بضرورة تحديد النسل، مكتومي القيد، العمالة الأجنبية، التزوير، تعاطي وتجارة المخدرات، هذا التعدّد في القضايا جعل الفيلم يعكس صورة التنوّع في المجتمع اللبناني الذي يعيش فيه عدداً كبيراً من الجنسيات والأعراق إلى جانب الشرائح الإقتصادية المختلفة.

 

أما كيفية معالجة هذه القضايا، فلم يعتمد الفيلم على ممثل وسيم وممثلة تُبهرنا بجمالها ولا على إنتاج باهظ تعكسه المظاهر المادية في العمل إنّما دخل العمل في أحشاء الأحياء الشعبية ودهاليزها لِيولَد فيلمٌ لبنانيٌ واقعيٌ، لذلك نرى عدّة لقطات إعتمدت على تصوير إسقاطي للمنازل العشوائية أو كما تُسمّى في المفهوم التنموي بعبارة "أحزمة البؤس"، وداخل هذه الأحياء يعيش زين مع عائلة لا ترعاه بالشكل اللائق ومعه إخوته مكتومي القيد، فهم محرومون من جميع حقوقهم البديهيّة.

 

لعلّ أكثر ما ميّز هذا العمل إلى جانب الإخراج المُتقَن والنص المُحكَم هو الأداء الصادق لممثّليه بالأخص الفتى، إبن الثانية عشر عاماً، زين الرافعي وهو لاجئ سوري منذ حوالي السبعة سنوات، فإستطاع زين من خلال هذا الفيلم إظهار موهبة أكبر من سنّه وجعل الجمهور يتفاعل معه بكامل الإنسجام، إلى جانب المَشاهِد التي تجمعه بالطفل الأثيوبي حيث شكّلا ثنائيّاً لبطولة العمل وحينما نُشاهِد الفيلم مع تصاعد سياق الأحداث نستشف أنّ المشاعر الإنسانية التي جمعت بين الفتى والطفل هي أعمق بكثير من الإختلافات الجنسيّة والعِرقيّة بينهما خاصة أنّ "اليأس والبؤس" جمعهما!

 

فيما خصّ مشاهِد "المحكمة" فإنّها من أقوى المَشاهِد التي تأتي مباشرة بعد ذروة الأحداث في النَّسَق الدرامي، وهذا ما يتجلّى في حوار زين مع والديْه حينما يقول للقاضي:"بدي إشتكي على أهلي لأنهم خلّفوني"، وفي حوار آخر يواجه زين ذويه أمام القاضي بالقول:"ما بقى بدي أهلي يخلفو..."، فهذا الفتى يردّد عبارة "أكبر ظالمة هيّي الحياة" ويقولها بأسى شديد يُذكّرنا بما قرأناه عن مأساوية أبو العلاء المعرّي ضمن مدرسة "السوداويّة" في الأدب العربي، في المُقابِل نرى والد ووالدة زين بمثابة ضحايا عاجزين عن التمرّد على أوضاعهم البائسة. كما قدّمت المخرجة نادين لبكي دور المحامية التي تتولّى مهمّة الدفاع عن زين.

 

حَمَل هذا الفيلم كل اليأس الذي يعكس واقعاً موجوداً في مجتمعنا اللبناني يعيشه أفراداً هم أولاد بيئتهم، فلا أحد منّا إختار البيئة والمحيط الذي يُولَد فيه، لذلك إنّ بطل العمل "زين" عَكَس صورة ضحايا في هذا المجتمع، وأتى الفيلم كي يرفع من نسبة الإنسانية في داخلنا مع تسليط الضوء على قضايا لربّما غفلنا عنها لأنّنا لم نُعاني منها، وهذا ما يدفعنا لتوصيف فيلم كفرناحوم بعبارة "فيلم القضيّة الإنسانية" الذي بالرغم من كل الأسى الذي تتضمّنه إلّا أنّه إنتهى برسالة أمل في مشهده الأخير مع إبتسامة رسمها زين على شفتيْه إستعداداً للتخلّص من بؤسه ومواجهة مستقبله بمعنويات إيجابية.... وبغض النظر عن قصّة العمل لا بد من التنويه بأنّ هذا الفيلم رفع من مستوى السينما اللبنانية بإدارة فريق عمل محترف على رأسهم خالد مزنّر ونادين لبكي.