صراع الخير والشر في "قيد عائلي" يُحقّق نجاحاً متميّزاً ببطولة جماعية تُعيد الكبار!

18:41
09-04-2019
أميرة عباس
صراع الخير والشر في "قيد عائلي" يُحقّق نجاحاً متميّزاً ببطولة جماعية تُعيد الكبار!

بمتابعة الأعمال الدرامية التلفزيونية على الساحة المصرية، نلاحظ خلال العاميْن الأخيريْن أنّ بعض الجهات المنتجة باتت تُقدّم أعمالاً على مدار شهور السنة دون الإنحصار بالموسم الرمضاني، وبعيداً عن البحث وراء الأسباب الكامنة وراء ذلك والتي يطول شرحها في ظل ما تشهده سوق الدراما العربية عامة والمصرية خاصة، سنحصر حديثنا اليوم حول إحدى الأعمال التي تُعرَض راهناً عبر الشاشة الفضية ألا وهو مسلسل "قيد عائلي".

صراع المال بين أفراد العائلة الواحدة

إنطلقت أحداث هذا العمل مع أولى حلقاته من "البيت الأبيض" (تمّ تبديل إسم المسلسل من البيت الأبيض ليُعتمد عنوان قيد عائلي)، في هذا البيت الذي يملكه "فضل الخولي" (صلاح عبد الله) نشهد على الصراع الدرامي المحوري والذي تتفرّع منه باقي الأحداث الرئيسية والثانوية في المسلسل، واللافت أنّ مؤلّفا العمل محمد رجاء وميشال نبيل تعمّدا إختيار أسماء للشخصيات كي تحمل معاني رمزية، فبالنسبة لشخصية فضل فهو يعتبر نفسه "صاحب الفضل" لما تملكه العائلة من مال ونفوذ، وهذا ما يؤكّده الحوار الذي يدور دوماً بينه وبين زوجته منال (ميرفت أمين) كلّما تباهى أمامها بالقول "أنّ المال الذي تعب في جَمْعه هو وحده كفيلاً بحماية العائلة والأولاد"، لنرى في مقابل ذلك، شخصية "كامل" التي يُقدّمها الممثل القدير عزت العلايلي وهو الشقيق الأكبر لفضل إلّا أنّ ثمّة خلافاً مادياً كبيراً بينهما حيث يُدرِك المُشاهِد مع سيْر الأحداث أنّ فضل أخذ حقّ شقيقه من الأموال التي يجب أن يتقاسماها معاً، وفيما نرى فضل مهتماً بالحق المادي فقط، نجد كامل متحسّراً على الخسارة العائلية وليس المادية فقط، وهذا ما نفهمه جلياً في الحوار الذي يدور بين كامل وإبنه الدكتور عبد الله (محمد محمود عبد العزيز) خلال الحلقة الثامنة حينما يقول الأب لإبنه "الخسارة الحقيقية هي خسارة الدم".


مسلسل يصلح لكل زمان ومكان

هذا الصراع المتمثّل بين فضل وكامل يُلخِّص الخط الرئيسي الذي تقوم عليه الدراما بشكل عام حيث تعتمد على فكرة "صراع الخير والشر"، والموضوع الدرامي الذي يُعالِجه مسلسل "قيد عائلي" يجعله يصلح لكل زمان ومكان وجيل –إن جاز التعبير- لأنّ هناك صراع بين الخير والشر في كل الأزمنة لذلك يُعد هذا العمل من المسلسلات التي "تعيش أطول فترة ممكنة"، وهذا معيار أساسي لنجاح أي عمل فني، والأمثلة تكثر لتعداد الأعمال التي نجحت بسبب إعتمادها على هذا المعيار(ليالي الحلمية، المال والبنون...).

مزيج درامي من التراجيديا حتى الكوميديا

أما المميز في مسلسل قيد عائلي فهو إعتماده على مزيج من جميع أنواع الدراما من التراجيديا حتى الكوميديا (نفحة كوميدية) ويتخلّله أسلوب الإثارة والتشويق حيث تتسارع الأحداث ضمن الحلقات المتتالية التي وصلت اليوم إلى الحلقة التاسعة، ونشير إلى أنّ المقصود بإسم "قيد عائلي" فهو ليس فقط بالمعنى الورقي الملموس، إنّما يرمز إلى القيود العائلية المتمثّلة بالموروثات وبشخصيتيْ الأم المتسلّطة "عفاف" والأب صاحب النفوذ "فضل".

البطولة الجماعية بأداء بارع

بالإنتقال للحديث عن باقي الشخصيات في هذا العمل، نفيد بالذكر أنّ المسلسل إعتمد على البطولة الجماعية التي تُعيد لقاء عزت العلايلي، ميرفت أمين وبوسي في عمل واحد إلى جانب باقي الممثّلين، وكل شخصية تأخذ دور البطولة ضمن مساحتها الدرامية بمعنى أنّ لكل شخصية حقّها، وهنا نعدّد الشخصيات الآتية: "منال" أي الممثلة ميرفت أمين فهي تُمثّل شخصية الزوجة والأم الصالحة التي تقف مع الحق حتى لو كان على حساب أعز الأفراد، وذلك بمقابل شقيقتها "عفاف" (بوسي) التي لا تهتم سوى بالمطامع الدنيوية، ولقد قدّمت بوسي دوراً صادماً (بالمعنى الإيجابي) حيث نراها بصورة السيّدة التي تُصنّف في مجتمعاتنا بعبارة Nouveau Riche وهي المرأة التي ترعرعت في الأحياء الشعبية منذ صغرها لكن حينما تحسّن وضعها المادي تبدّلت لإنسان طمّاع وما زاد من سوداوية شخصيتها هو تدهور وضعها المادي، لكن نتوقّع أنّ الأحداث النهائية من العمل ستُبدِّل هذا "الكاريكتار" الدرامي لنستشف الطيبة المتخفّية وراء هذه الشخصية. أما نجمة جيل الثمانينات ومطلع التسعينات، الفنانة سيمون فتُقدّم شخصية بعيدة عن كل الأدوار التي سبق وقدّمتها لتظهر بصورة المرأة المنكسرة والتي تحاول التمرد على الظلم بعقلانية فيأتي أدائها أكثر من رائع وبأسلوب عفوي. ومن الشخصيات البارزة في هذا العمل، نذكر الممثل رامي وحيد الذي تشهد مسيرته الفنية خلال الآونة الأخيرة على تقدّم ملحوظ، ففي شخصية "هشام" التي يلعبها ضمن قيد عائلي، يُجسّد شخصية الرجل الذي يأبى إظهار مدى إنكساره الداخلي، تماماً كما يوحي لنا لغوياً إسم هشام المنبثق من "الهشم" أي الإنكسار، فهذا الرجل دفع ثمن الصراع العائلي بين الشقيقيْن على حساب حبّه لإبنة عمّه "جميلة"، وبالرغم من هذا الألم المدفون في داخله إلّا أنّه يُحاول البحث عن الإستقرار والإبتعاد عن المشاكل، لذلك إعتمد رامي في تجسيده لهذه الشخصية العميقة إعطائها روحاً تتأرجح بين هذا التقلّب في المزاج، فتارة نراه بصورة الشخص المنفعل وتارة يضفي النفحة الكوميدية على مَشاهدِه وأتى هذا التبدّل بحسب المواقف والأحداث بأسلوب عفوي ومدروس في آنٍ معاً بعيداً عن المبالغة في إستخدام إكسسوارات الشخصية لإقناع المُشاهِد خاصة مع إبتعاد رامي عن الأدوار النمطية في تقديم الشخصيات الشريرة التي قدّمها سابقاً ورسخت في ذاكرة الجمهور. وبالحديث عن هذه الشخصية، نشير إلى أنّ زوجة هشام في العمل "سمر" أي الفنانة ميرهان حسين تُقدّم شخصية مستفزّة أتقنت أدائها بحذافيرها، وما لفتنا في شخصيات العمل أيضاً الممثل محمد محمود عبد العزيز (الدكتور عبد الله)، ففي هذا المسلسل تظهر المهارات التمثيلية المميزة التي يمتلكها عبد العزيز والذي يُركِّز جيداً على تسخير ملامح وجهه ولغة عيونه للتعبير خلال مَشاهدِه في العمل.


إدارة الإخراج والإنتاج

لن ننسى أيضاً الإشادة بإدارة المخرج تامر حمزة، وهنا ننوّه بأنّ هذا المسلسل إعتمد على بطولة جماعية وفي المشاهِد التي تجمع أكثر من ممثل لم ترتكز اللقطات على الممثل الأوْحد الذي يأتي دوره في إلقاء نص الحوار إنّما أُعطِيَ لكل ممثل حقّه في مشاهدة ردّة فعله عبر تسليط الضوء على كل الممثلين في المشهد الواحد. علماً أنّ مسلسل قيد عائلي هو من إنتاج شركة فنون مصر للمنتجيْن محمد محمود عبد العزيز وريمون مقّار ويتم عرضه عبر شاشة DMC.