الثورة اللبنانية تُخلِّص اللبنانيين من شعار "الزعيم يُقبرني ويُؤمرني" على مِنهاج عنصر المفاجأة!
"البَلد بَلدنا، الوجَع وَجَعنا والثورة ثورتنا"... إنطلاقاً من هذا المبدأ إنبثقت الثورة اللبنانية من أَلَم الشعب منذ ليل السابع عشر من شهر تشرين الأول الفائت، فإلتمسنا صوت الحق وهو يعلو ويصدح في سماء بيروت وكل المناطق اللبنانية. أما اليوم بعد مرور إثنيْ وعشرين يوماً لإنطلاقها، كيف نستطيع قراءة هذه الثورة؟!
الثورة لبنانية عربية عالمية!
في بادئ الأمر، لا نستطيع الحديث عن الثورة اللبنانية دون الإشارة إلى كوْنها مختلفة تماماً عن أي ثورة عربية أخرى في العصر الحديث إن كان لناحية أسبابها، مُسبّباتها، معطياتها أو تداعياتها ليس على الصعيد المحلي فقط بل الإقليمي والدولي أيضاً، وهنا نستشهد بما كتبه الناشط والباحث السياسي البلجيكي كورت ديبوف في كتابه الربيع العربي- وجهة نظر أوروبية" (عام 2014) حول عالمية الحدث العربي ومدى أهميّته التاريخية مستعرضاً الأحداث المستجدة عالمياً والتي تتزامن أو تلحق بأي حدث عربي. كما يؤكّد ديبوف في كتابه على أنّ ما يشهده العالم العربي هو ثورةٌ حقيقية بمثابة تحوّل تاريخي وليس مجرّد ربيع عربي أو موجة تغييرية موسمية ويذهب ديبوف إلى أبعد وأعمق من ذلك حين يصف في كتابه هذه الثورات العربية ويُقارنها بأنّها لا تختلف بجوهريّتها عن لحظة سقوط برلين سنة 1989 بعد حرب شرسة بين الشيوعية والرأسمالية.
النظام اللبناني يتجّه نحو تحوّل مفصلي
من هذا المنطلق نستطيع وصف الثورة اللبنانية بأنّها "سقوط لنظام طائفي" سعياً نحو دولة قانون مدنية بهدف التخلّص من فِكر موروث مُهترِئ والتحوّل إلى نظام يحترم كيان الإنسان ويُكرّس المواطنية، وهذا ما يُعَد حدثاً مفصلياً في لبنان للإنتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى نقيضة عن الحالية.
الشعب اللبناني للطبقة الحاكمة "فاجأناكم مو"!
إن أردنا التعمّق في المعطيات التي تُرافق الثورة اللبنانية سنجد أنّ عنصر المفاجأة هو المُحرّك الرئيسي لها، فمنذ إنطلاقتها تفاجأت الطبقة الحاكمة في لبنان بإنقلاب الرأي العام ضدها وهذا لم تكن لتتوقّعه الأحزاب اللبنانية بزعاماتها وطوائفها الدينية-السياسية، فبدأنا نسمع منذ الليلة الأولى للثورة صرخات واحدة موحّدة للتبديد بالنظام الفاسد والتخلّص من الطائفية مع الحاجة الملحّة لدى اللبنانيين في العيش الكريم، وهذا ما تمثّل بعبارات متكررة على لسان الشعب:"يا لبنان شعبك جوعان"، "ما معي حق دوا"، "ما عم بيوظفوني"، "هجّرتوا ولادي"، ولعلّ الجملة الرنّانة التي أثّرت بنا في اليوميْن الماضييْن هي عبارة أحد المواطنين اللبنانيّين حينما قال:"بدّي آكل من زبالة بلدي".
الشعب اللبناني تخلّص من شعار "الزعيم يقبرني ويؤمرني"!
هذه المعطيات تشير إلى الوعي الجماعي الذي بات يتحلّى به الشعب اللبناني خارج عباءة الأحزاب بعدما كنّا نسمع مراراً وتكراراً هذا أو ذاك المواطن وهو يقول "الزعيم يقبرني ويؤمرني"! وهذا الوعي أيضاً شكّل مفاجأة للحكّام الفاسدين ما "قَلَب الطاولة عليهم"، فبعدما كانت دائرة صناعة القرار محصورة بيد السلطة الحاكمة باتت تلك السلطة رهينة قرار الشعب الثائر في الشوارع في مقابل خسارة كبيرة للقاعدة الشعبية الخاصة بكل حزب أو زعيم.
مرحلة جديدة من الثورة بطلها "عنصر المفاجأة"
من الملاحظ جداً خلال الوقت الراهن أنّ الثورة اللبنانية تعتمد على "عنصر المفاجأة" ما يضع الحكّام في حيرة من أمرهم حيث لا يتوقّعون الخطوات التصعيدية التي يقوم بها الثائرون لضمان نجاحها، ولعلّ ما تحقّق لحين اليوم هو أكبر مؤشّر ودليل على نجاح ثورتنا وأبرزها: إستقالة الحكومة والبدء بفتح ملفات الفاسدين والتحقيق معهم.
في الختام، نشير إلى أنّ هذه الثورة الوطنية الشعبية العفوية ما زالت في أوجّها مع إنتظار الخطوات الآتية لحين خلاص لبنان من مُعذِّبِه الأكبر ألا وهو "فساد الحاكم" ...
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية