في تطور مفاجئ يطوي صفحة من الجدل استمرت لأكثر من عقد، سلّم الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه، مساء السبت، لقوة من استخبارات الجيش اللبناني داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، الذي كان يتوارى فيه عن الأنظار منذ سنوات.
ووفق المعلومات، فإنّ شاكر أبلغ الجيش اللبناني برغبته في تسليم نفسه، وبناءً على ذلك أجرى الجيشُ كافّة الترتيبات اللازمة لإتمام عملية التسليم عند مدخل المخيّم. وتسلّمت قوّةٌ من استخبارات الجيش اللبناني الفنّان شاكر داخل مخيّم عين الحلوة بعد موافقته رسميًا على تسليم نفسه للسلطات اللبنانية.
وقد نسّق مسؤولون في وزارة الدفاع، عبر وسطاء، عمليةَ تسلّم فضل شاكر من المخيّم، حيث حضر موكبٌ خاصّ لنقله من حاجز الحسبة عند مدخل عين الحلوة إلى اليرزة.
في التفاصيل، إختفى شاكر لسنوات طويلة في مخيم عين الحلوة، مطاردًا بأحكام قضائية قاسية، بينها حكم غيابي عام 2020 بالسجن 22 عامًا مع الأشغال الشاقة. شاكر الذي قدّم روائع مثل “لآخر لحظة” و“نسيت أنساك“، قرر عام 2013 أن يطوي الصفحة الفنية ويعتزل الأضواء، في خطوة صادمة لجمهوره. لم يكتفِ باعتزال الفن، بل انخرط في أجواء سياسية متوترة، حين أعلن وقوفه إلى جانب الشيخ أحمد الأسير في صيدا، وشارك في مواقف حادة ضد الجيش اللبناني. وظهوره في مقاطع مصوّرة عقب معركة عبرا التي راح ضحيتها 18 جنديًا، كان كفيلًا بتغيير صورته تمامًا: من فنان محبوب إلى شخصية مثيرة للإنقسام.
وعاد ليطل من جديد عام 2018 عبر أغانٍ منفردة مثل “بدي حبك” و“ليه الجرح“. وكان فضل شاكر قد أطلق مؤخرًا أغنية روح البحر وصحاك الشوق، التي حققت صدى واسع بين الجمهور، بعد طرح أغنية كيفك على فراقي، التي شارك مقطعًا منها عبر حسابه على إنستغرام، معلّقًا: علينا القمر.. وأنت حدي، ما بقى بدي الوقت يعدي يا قمر. وحققت الأغاني رواجًا كبيرًا عبر المنصات الرقمية، وأعادت جزءًا من صورته كفنان، رغم أن الجدل لم يفارقه.
للتذكير، كانت قد أصدرت وزارة العدل اللبنانية، الهيئة الإتهامية في لبنان الجنوبي، في شهر تموز/ يوليو عام 2018 ، القرار الظني الكامل الصادر بحق فضل شاكر المتهم بقضية تأليف عصابة مسلّحة والتعدّي على الجيش اللبناني، وجاء القرار كأوّل تبرئة له من تهمة تشكيل عصابة مسلّحة – القيام بأي أعمال إرهابية – سلب أموال الناس، وذلك يؤكّد قانونياً وقضائياً على أنّه لم يُشارِك في أحداث عبرا.
وفي وقت سابق، أصدر المكتب الإعلامي لفضل شاكر بيانًا أوضح فيه ملابسات قضيته والاتهامات الموجّهة إليه، مشددًا على براءته، وداعيًا إلى التعاطي مع ملفه بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية.
وجاء في البيان:”بالنسبة إلى التُهم الملفّقة، فإنني أوضح أنه قبل دخولي مخيم عين الحلوة لم يكن صادراً في حقي أية مذكرة أو أي حكم، وعندما دخلت المخيّم هرباً من التهديد بالقتل انهالت عليّ الوثائق والأحكام من دون أن يكون هناك مبرر قانوني. أنا بريء والقضاء صدَّق، غيابياً، حكم براءتي من الاقتتال مع الجيش والحكم منتشر على وسائل الإعلام”.
تابع:” أطلب من المعنيين أن يتم التعامل مع ملفي على أنه ملف لمواطن عادي، لأنه وبمجرد أن يتم التعاطي مع قضيتي من دون أن يكون هناك بعد سياسي لها، فإن 99٪ من المشكلة ستُحلّ. أصبح لديَّ أمل بعدما غادرتنا فلول النظام السوري وتبدّلت كل القواعد، أن يتحوَّل ملفي قضيةً محقّة بعيدة عن تصفية حسابات ضيقة لأطراف سياسية أثبتت أنها ظلمت في فتراتها كثيراً من الأشخاص وأنا منهم”، وأكّد براءته: “أنا بريء ظُلِمتُ أكثر من 13 سنة ولُفِّقت التُهَم المنسوبة إليَّ في محاولة للتضييق عليَّ ظنّاً منهم أنَّ في إمكانهم القضاء عليَّ وعلى فنّي”.
وفي تصريحات صحفية سابقة كشف محمد عن نية والده تسليم نفسه لإغلاق هذا الملف نهائياً وتبرئة ساحته.
وبخلاف الأحكام المشددة أصدرت المحكمة العسكرية في عام 2018 حكماً قضى بـ”إعلان براءة شاكر من تهمة قتل عناصر من الجيش اللبناني والقيام بأعمالٍ إرهابية، وتشكيل عصابات مسلحة، وسلب أموال الناس لعدم ثبوت الأدلة”.
من جهة أخرى، كتب الفنان محمد شاكر نجل الفنان فضل شاكر، منشورًا عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام” يعلق فيه بعد القبض على والده منذ ساعات قليلة “إن مع العسر يسرا.. مهما ضاق الطريق فإن فرج الله أقرب مما تظن”.
أما اليوم، وبعد أن سلّم نفسه طوعًا إلى السلطات اللبنانية، يبدو أن فضل شاكر يكتب فصلًا جديدًا في حكايته الطويلة. البعض يرى في هذه الخطوة محاولة جريئة لمواجهة الماضي، بينما يرى آخرون أن إرث عبرا لا يمكن تجاوزه بسهولة. لكن المؤكد أن صوته، بما يحمله من شجن وصدق، سيبقى حاضرًا في ذاكرة جيل بأكمله، حتى وإن ظل اسمه مرتبطًا بواحدة من أكثر القصص تعقيدًا في تاريخ الفن العربي الحديث.
وبالتالي، شكلت قضايا فضل شاكر العالقة في لبنان اكبر حجر عثرة في وجه اكتمال عودته للساحة الغنائية هذا العام، غير أنها لم تمنع الفنان من تسجيل حضور ساطع من خلال عدة أغاني حصدت عشرات الملايين من المشاهدات.
فمنذ إطلاق أولى أغنياته في التسعينيات، شكّل فضل شاكر حالة فنية خاصة في عالم الغناء العربي. بصوته الدافئ وقدرته الاستثنائية على التعبير عن الحب والوجع، أسر قلوب جمهور واسع من المحيط إلى الخليج، وأصبح أحد أبرز وجوه الأغنية الرومانسية الحديثة. لكن مسيرته لم تسر على خط مستقيم؛ بل شهدت منعطفًا حادًا جعل اسمه يتأرجح بين النجومية والجدل.
وهذه الخطوة التي تأتي خلال حكم العهد الجديد في لبنان، هل تجرّأ فضل شاكر على القيام بذلك في هذا التوقيت تحديداً إيماناً منه بتحقيق العدل والعدالة خاصة أنّ ذلك يتزامن مع تكثيف نشاطه الفني وتعاقده مع شركة بنش مارك؟! وهل سيُبرَّأ بالفعل فضل شاكر من كل التهم الموجهة إليه بعد تأكيده على أنه تعرّض للظلم خلال فترة النظام السابق ما سيتيح له الظهور علناً أمام جمهوره؟
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









