في اليوم العالمي للسعادة 2024...تعرّف إليها بين التاريخ والفلسفة

9:25
20-03-2024
في اليوم العالمي للسعادة 2024...تعرّف إليها بين التاريخ والفلسفة

تتلألأ في سماء التقويم العالمي نجمة مميّزة تذكّرنا بأهمية البسمة والسرور في حياتنا، هذا النجم هو يوم السعادة العالمي. ففي العام 2012، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 آذار/مارس من كل عام، يومًا عالميًا للاحتفال بالسعادة وتعزيزها. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم فرصة لنا جميعًا للتفكير في معاني السعادة وأهميتها في حياتنا.

تعتبر السعادة أحد أهم مقاييس الرفاهية الإنسانية، فهي ليست مجرد حالة نفسية بل هي أسلوب حياة. إنّ الشعور بالسعادة يمتد إلى جميع جوانب الحياة، سواء كانت العلاقات الاجتماعية، العمل، الصحة النفسية والجسدية، أو حتى البيئة التي نعيش فيها. ومن هنا، يأتي يوم السعادة العالمي ليذكّرنا بأهمية تعزيز هذا الشعور الإيجابي في مجتمعاتنا وحياتنا اليومية.

وطرح فكرة تحديد يوم عالمي للسعادة، الناشط والفيلسوف والمستشار الخاص للأمم المتحد جايمي ليان عام 2011 بهدف إلهام الناس جميعا حول العالم للاحتفال بالسعادة في يوم مخصص لها، وتعزيز حركة السعادة العالمية. واختار جايمي ليان تاريخ 20 آذار/مارس على اعتباره يوافق يوم الاعتدال الربيعي، وهي ظاهرة عالمية تحدث حول العالم في الوقت نفسه وبذلك سيشعر الناس حول العالم جميعهم بالشعور ذاته في نفس الوقت.

ولا بدّ من الإشارة إلى مملكة بوتان، الدولة الصغيرة التي تقع في جبال الهيمالايا في جنوب آسيا. بوتان تعتبر من الدول من الأقل تطورًا اقتصاديًا في العالم، ولكنها تبرز بشكل لافت من خلال رؤيتها الفريدة للتنمية والسعادة. ففي بوتان، يتم قياس النجاح الوطني بما يُعرف بـ "السعادة الإجمالية الوطنية" بدلاً من الناتج المحلي الإجمالي.

لذلك يبرز موضوع السعادة كأحد أهم الأشياء التي تسعى بوتان لتكريسها، إذ تؤمن الحكومة بالاستدامة وأهمية الحفاظ على الطبيعة، التي تراها المملكة من أهم مقومات السعادة لدى الشعوب، وليس الثورة الصناعية، كما تسعى معظم بلدان العالم، ولا تقيس النجاح بالتطور التكنولوجي الذي يعتقد أهل بوتان أنه يقتل المزاج الجيد، ويقيسون النجاح بمؤشرات السعادة القومية الخاصة بهم.

من أجل تكريس مفهوم السعادة والحفاظ على الطبيعة فقد أصدرت مملكة بوتان عام 2004 قانوناً يمنع زراعة التبغ أو بيعه أو التدخين في الأماكن العامة. حتى قبل نحو 20 عاماً لم يكن التلفاز أو الإنترنت مسموحين في مملكة السعادة بتوجيهات من مؤشر السعادة القومية؛ والهدف هو حماية الإنسان والحيوان في البلاد، فلم يدخل التلفاز والإنترنت إلى البلاد حتى عام 1999.

وعلى غرار، مملكة بوتانا والإكوادور وفنزويلا، تم إنشاء وزارة للسعادة في الإمارات عام 2016، فقد قامت الحكومة بإطلاق برامج وطنية لخلق مبادرات من أجل بيئات عمل أكثر سعادة. ولاحقاً، صدق مجلس الوزراء على الميثاق الوطني للسعادة والإيجابية، بهدف دمج الإيجابية في السياسات والخدمات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مسح وطني حول السعادة والإيجابية لقياس رفاهية المجتمع وإشراكها في تطوير السياسات.

في اليوم العالمي للسعادة، لا بدّ ان نذكر "مفهوم السعادة" الذي بات في يومنا الحالي بحاجة لإعادة تعريف؛ خاصةً بعد أن أصبح بسيطا لحدّ التعقيد، فكلنا نود أن نكون سعداء؛ لكن حين يسألنا شخص سؤالا بسيطا "ما هي السعادة؟" لا نستطيع الإجابة؛ لأن المفاهيم اختلطت وتعقدت.

حتّى أن الفلاسفة اختلفت تعريفاتهم لمفهوم السعادة، فأفلاطون يعتبر السعادة هي الخير الأسمى؛ أما أرسطو فيعرّف السعادة باللذة، حيث لا ألم، ويحصر السعادة بالتفكير الفلسفي والتأمل. أمّا بالنسبة للفارابي فإنّ "السعادة هي أعظم الخيرات" وذلك ضمن تصوّره للمدينة الفاضلة التي "تحتاج إلى الفضائل النظريّة والأخلاقيّة". وهذا التعريف يستأنف بشكل مغاير التعريف الأرسطي القديم بوصفه قائما على علاقة ضروريّة بين السعادة وتحصيل الحكمة.

بعيداً عن الفلسفة، يصدر كلّ سنة تقرير في اليوم العالمي للسعادة، يصنّف الدول بحسب مقياس السعادة من الأسعد إلى الأتعس، وفي سنة 2023، أظهر التقرير محافظة فنلندا على مرتبتها، للسنة السادسة على التوالي، على رأس الدول الأكثر سعادة، فيما تراجعت الإمارات والسعودية في التصنيف العالمي، واحتل لبنان المرتبة ما قبل الأخيرة في الهرم.

في ختام هذا النص، نجد أن يوم السعادة العالمي يشكل فرصةً لنا جميعًا للتأمل في معنى السعادة وأهميتها في حياتنا اليومية. فالسعادة ليست مجرد حالة نفسية بل هي أسلوب حياة، وتعتبر أحد أهم مقاييس الرفاهية الإنسانية. وباعتبارها مفتاحًا للرضا والتوازن في الحياة، فإنه من المهم أن نعمل جميعًا على تعزيز هذا الشعور الإيجابي في مجتمعاتنا وحياتنا الشخصية.