في عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي بشكل مذهل، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة تقنية بل تحول إلى رفيق يومي يؤثر في جوانب حياتنا العميقة. من بين هذه الجوانب، تبرز الصحة النفسية كأحد الميادين التي يشق فيها الذكاء الاصطناعي طريقه، ليصبح أداة مبتكرة تساعد الأفراد في مواجهة تحدياتهم العاطفية والذهنية. فبدلاً من الاقتصار على التفاعل التقليدي بين الإنسان والمعالج، نرى اليوم آلاف الأشخاص يلجأون إلى روبوتات المحادثة الذكية، التي توفر لهم مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرهم والتخفيف من أعباء القلق والاكتئاب، دون خوف من الحكم أو الانتقاد.
هذا التحول اللافت لا يعكس فقط تطور التقنيات، بل يُسلّط الضوء على فجوة متزايدة في الوصول إلى الدعم النفسي التقليدي، والحاجة الماسة إلى بدائل مرنة، أكثر خصوصية وأقل وصمة. فهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح “رفيقًا نفسيًا” حقيقيًا؟ وهل نحن على مشارف ثورة في فهم الصحة النفسية من خلال خوارزميات التعاطف والتحليل اللغوي؟
في هذا التقرير، نستعرض أبرز ما توصلت إليه الأبحاث الحديثة من اليابان إلى الصين، حول دور الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الاكتئاب، وتعويض غياب المعالج البشري في البيئات التي تفتقر إلى رعاية نفسية كافية.
في أحد مختبرات جامعة طوكيو، وبينما كان الباحث أديتيا نايك يتفحص بيانات تجربة جديدة، لفت نظره نمط مفاجئ: عدد متزايد من الأشخاص يفضّلون التحدث إلى روبوتات محادثة بدلاً من معالجين بشريين. هذا الاكتشاف لم يكن مجرّد ظاهرة عابرة، بل كشف عن تحول عميق في طريقة تعامل الناس مع مشاكلهم النفسية.
والدراسة، التي نُشرت في مايو 2025 تحت عنوان «التعاطف الاصطناعي: الصحة النفسية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي»، حللت تجارب ملايين المستخدمين مع تطبيقات مثل Woebot وWysa. وخلص الباحثون إلى أن هذه الأدوات توفّر بيئة آمنة للبوح دون أحكام، تتيح للمستخدم التعبير عن مخاوفه ومشاعره بحرية تامة.
يقول نايك: “أكبر ميزة لهذه التطبيقات هي أنها لا تُحرِج أحداً، ولا تُطلق أحكاماً، ما يجعلها ملاذاً لمن يخشون الوصمة الاجتماعية أو لا يثقون بالعلاج التقليدي.”
من جهة أخرى، حقق باحثان في جامعة شنغهاي تقدماً لافتاً في مجال تحليل المشاعر. عبر استخدام نماذج لغوية ضخمة، تمكّنا من تطوير نظام يكتشف مؤشرات الاكتئاب من أسلوب الكلام ونبرة الصوت دون الحاجة لاعتراف صريح. بلغت دقة هذا النظام 89%، متفوقة على أدوات التشخيص التقليدية مثل استبيان PHQ-9.
يعتمد هذا التحليل على عناصر خفية، مثل تكرار الضمائر الشخصية، أو بطء الكلام، أو انخفاض التنوع اللغوي، وكلها مؤشرات قد تغيب حتى عن أخصائيي العلاج النفسي.
لكن هل تعني هذه التطورات أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل الأطباء النفسيين؟ الجواب، بحسب الخبراء، هو “لا”. فهذه الأدوات مصممة لتكون مكملة لا بديلة، ولتشكّل خط دفاع أول في المجتمعات التي تفتقر إلى دعم نفسي كافٍ.
أما في العالم العربي، حيث لا تزال الصحة النفسية تواجه تحديات ثقافية ومؤسسية، قد تفتح هذه التقنية باباً نحو دعم أوسع وأكثر عدالة وخصوصية.
لكن يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن لخوارزمية أن تفهم الألم كما يفعل إنسان؟ ربما لا، لكن إن وُجّهت بشكل صحيح، فقد تكون هذه الأنظمة أداة قوية تعزز من قدرتنا كبشر على التعاطف… حتى عبر الشاشات.
المصدر: info3
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









