في ظل تسارع نمط الحياة الحديث وتزايد الضغوط النفسية، أصبحت اضطرابات النوم من الظواهر الشائعة التي تؤثر بشكل مباشر في الصحة الجسدية والعقلية. ومن بين تلك الاضطرابات، تبرز الكوابيس الليلية بوصفها أكثر من مجرد أحلام مزعجة، بل مؤشراً مقلقاً على اختلال عميق في التوازن النفسي والبيولوجي للإنسان.
في هذا الصدد، كشفت دراسة حديثة أن الكوابيس الليلية المتكررة قد تكون سببًا في تسريع الشيخوخة البيولوجية وزيادة خطر الوفاة المبكرة. هذا الاكتشاف الجديد جاء بعد تحليل بيانات واسعة شملت أكثر من 183 ألف بالغ تتراوح أعمارهم بين 26 و86 عامًا، في محاولة لفهم العلاقة بين جودة النوم وعوامل الشيخوخة والصحة العامة.
في التفاصيل، ركز الباحثون على قياس طول «التيلوميرات» — وهي نهايات الكروموسومات التي تُعتبر مؤشراً بيولوجياً هاماً للشيخوخة. مع تقدم العمر، تتقلص هذه التيلوميرات بشكل طبيعي، ولكن وجود تيلوميرات أقصر يرتبط بمخاطر متزايدة للإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان وأمراض القلب. والدراسة أظهرت أن الأشخاص الذين يعانون من الكوابيس بانتظام يمتلكون تيلوميرات أقصر من أولئك الذين لا يعانون منها، مما يعكس شيخوخة بيولوجية متسارعة لديهم.
كما أظهرت النتائج أن احتمال الوفاة المبكرة لدى الذين يعانون من كوابيس أسبوعية يزيد بنسبة 40% مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون منها. وفي الواقع، وجد الباحثون أن هؤلاء الأشخاص معرضون للوفاة قبل بلوغ سن السبعين بثلاثة أضعاف، ما يجعل الكوابيس من بين أقوى العوامل المسببة للوفاة المبكرة مقارنة بعوامل أخرى معروفة مثل سوء التغذية، قلة الحركة، أو التدخين.
في هذا الإطار، يعتقد الباحثون أن السبب وراء ذلك هو تأثير الكوابيس على زيادة مستويات التوتر واضطرابات النوم، وهما عنصران يلعبان دورًا رئيسيًا في تسريع الشيخوخة. الكوابيس تؤدي إلى ارتفاع هرمون الكورتيزول، المعروف بهرمون التوتر، والذي يُرتبط بتدهور صحة الخلايا وتسريع شيخوختها.
من جهته، أوضح الدكتور أبيديمي أوتايكو، عالم الأعصاب في «إمبريال كوليدج لندن» والمشارك في الدراسة، أن الدماغ أثناء النوم لا يستطيع التمييز بين الواقع والحلم، مما يجعل الكوابيس تسبب استجابات توتر شديدة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية. وأضاف أن الكوابيس تؤثر أيضًا على جودة النوم ومدة الاستراحة، وهو ما يعيق قدرة الجسم على إصلاح وتجديد الخلايا خلال فترة النوم.
وعلى االرغم من هذه النتائج المثيرة للقلق، أكد الباحثون أن هناك أملًا في الحد من تأثير الكوابيس من خلال اتباع بعض التدابير البسيطة، مثل تجنب مشاهدة أفلام الرعب قبل النوم، الحفاظ على عادات نوم صحية ومنتظمة، إدارة مستويات التوتر، واللجوء إلى العلاج النفسي المناسب في حالة القلق أو الاكتئاب.
أما الخبر السار هو أن الكوابيس يمكن الوقاية منها أو التخفيف من حدتها، وهذا قد يساعد في تحسين نوعية النوم والصحة العامة، وبالتالي تقليل المخاطر المرتبطة بتسارع الشيخوخة والموت المبكر. تشير الدراسة إلى أهمية الانتباه إلى جودة النوم كجزء أساسي من الرعاية الصحية الشاملة، لما له من تأثيرات عميقة على الصحة الجسدية والعقلية.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









