في إنجاز طبي غير مسبوق، نجح باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية في تطوير خوارزمية ذكاء اصطناعي مبتكرة قادرة على اكتشاف الخلايا السرطانية في عينات الدم خلال عشر دقائق فقط، وهو ما يمثل خطوة هائلة نحو تشخيص أسرع وأكثر دقة لأنواع متعددة من السرطان، من دون الحاجة إلى إجراءات جراحية معقدة أو تحليل يدوي مطوّل.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة “npj Precision Oncology”، شارك فيها فريق من كلية فيتربي للهندسة وكلية دورنسيف للآداب والفنون والعلوم، وتركز على تطوير طريقة ذكية لأتمتة عملية الكشف عن الخلايا السرطانية المتجولة وهي خلايا تنفصل عن الورم الأصلي وتنتشر عبر مجرى الدم.
يقول الباحث أسعد أوبراي، أحد المشاركين في الدراسة “يمكن لهذه الخوارزمية أن تفرز ملايين الخلايا وتتعرف إلى الأنماط الشاذة منها بسرعة فائقة، فبدلاً من أن يقضي الأطباء ساعات طويلة في مراجعة الصور، يمكن للنظام الذكي أن يقدّم النتائج خلال دقائق”.
وتُعرف عملية فحص الدم هذه باسم “الخزعة السائلة”، وهي تقنية تُستخدم للكشف عن علامات وجود الأورام السرطانية في الدم. لكن الطرق التقليدية تتطلب تدخلاً بشرياً مكثفاً، إذ يحتاج الخبراء إلى تحليل آلاف الصور للخلايا تحت المجهر بحثاً عن إشارات دقيقة يصعب رصدها.
أما النظام الجديد، فيستخدم خوارزميات التعلم العميق (Deep Learning) لتحليل الصور آلياً والتعرّف إلى الأنماط غير الطبيعية بدقة تفوق العين البشرية.
ويقول البروفيسور بيتر كون، أستاذ العلوم البيولوجية والهندسة الطبية الحيوية في الجامعة وأحد مطوري الخوارزمية “لقد صممنا نظاماً قادراً على فحص ملايين الخلايا في وقت قصير جداً، وفصل النتائج الطبيعية عن المشبوهة بشكل دقيق وموثوق”.
وللتحقق من فعالية التقنية، استخدم الباحثون قاعدة بيانات ضخمة تضم آلاف العينات التي جمعها كون سابقاً في أبحاثه حول سرطان الثدي.
وتم اختبار الخوارزمية بطريقتين: الأولى على عينات دم لمرضى مصابين بسرطان الثدي المتقدم، والثانية على عينات دم سليمة أُضيفت إليها خلايا سرطانية لمعرفة مدى دقة الاكتشاف.
النتائج فاقت التوقعات، إذ تمكنت الخوارزمية من اكتشاف ضعف عدد الخلايا السرطانية مقارنةً بالطرق التقليدية، ما يؤكد حساسيتها العالية وقدرتها على التقاط الإشارات الدقيقة التي قد تغيب حتى عن أبرع المختصين.
ويعلق أوبراي قائلاً “لقد أزلنا التحيز البشري في التحليل، وتمكنا من العثور على إشارات أكثر دقة وذات أهمية طبية كبيرة”.
ويمتد تأثير هذه التقنية إلى ما هو أبعد من سرطان الثدي، إذ يمكن تطبيقها على أنواع مختلفة من الأورام، مثل سرطان البنكرياس والورم النقوي المتعدد، وحتى في مراقبة المرضى بعد العلاج للكشف المبكر عن أي عودة محتملة للسرطان.
ويرى كون أن هذا الابتكار يشكّل ثورة في الطب الحديث، قائلاً “لقد كان اكتشاف الخلايا السرطانية وسط ملايين الخلايا السليمة يشبه البحث عن إبرة في كومة قش، لكن الذكاء الاصطناعي جعل هذه المهمة ممكنة وسريعة في آن واحد”.
ويأمل الفريق أن يسهم هذا التطور في الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسية في رحلة أي مريض بالسرطان:هل أنا مصاب؟ هل اختفى المرض أم عاد؟ وما العلاج الأنسب لي؟
ويختتم كون قائلاً “هدفنا هو تسخير بيانات الدم لدعم كل خطوة في رحلة المريض. هذه مجرد بداية لعصر جديد يغيّر الطريقة التي نكتشف ونعالج بها السرطان بفضل الذكاء الاصطناعي”.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









