أعلن فريق دولي من العلماء والأطباء عن وضع أول مجموعة شاملة من الإرشادات العالمية لاستخدام العلاج الجيني في معالجة الصمم الناتج عن الطفرات الجينية في خطوة وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار تطوير علاجات فقدان السمع الوراثي.
وتمثل هذه الخطوة، التي نُشرت نتائجها في مجلة Med – A Cell Press Journal في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، محاولة لتوحيد المعايير العلمية والسريرية في هذا المجال الواعد الذي يشهد تقدماً متسارعاً.
ويُقدّر أن ما يصل إلى 60% من حالات فقدان السمع الخَلقية والمبكرة تعود إلى أسباب وراثية. ومع بروز العلاج الجيني كخيار علاجي مبتكر لإصلاح الجينات المعطوبة واستعادة الوظائف السمعية، شدد الباحثون على ضرورة وضع إطار دولي موحد يضمن سلامة المرضى واتساق التجارب السريرية قبل تعميم هذه العلاجات في الممارسة الطبية.
وقال الدكتور تشنغ يي تشن من كلية الطب بجامعة هارفارد، أحد المؤلفين الرئيسيين، إن العلاج الجيني القوقعي يمثل تحولاً جذرياً في مقاربة الصمم الوراثي، مؤكداً أن هذه الإرشادات تضع الأسس لتجارب سريرية أكثر أماناً وفاعلية.
وأضاف أن وضع معايير واضحة بات أمراً ملحاً مع تسارع وتيرة التطورات التقنية في هذا المجال.
ورغم أن العلاج الجيني لفقدان السمع لم يحصل بعد على موافقة رسمية، فإن العديد من التجارب السريرية تُجرى حالياً في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وقد حققت أبرز النتائج في معالجة الطفرات التي تصيب جين OTOF، وهو الجين المسؤول عن تحويل الموجات الصوتية إلى إشارات عصبية يتعرف عليها الدماغ.
وتقوم هذه الدراسات على إدخال نسخة سليمة من الجين إلى الأذن الداخلية باستخدام ناقلات فيروسية معدلة، ما أظهر تحسناً جزئياً في السمع لدى بعض الأطفال الذين وُلدوا مصابين بالصمم الوراثي.
ويرى الباحثون أن غياب إطار موحد للتجارب قد يؤدي إلى صعوبة مقارنة البيانات وتفسيرها، لذا تهدف الإرشادات إلى وضع نهج موحد يعزز الشفافية العلمية.
ووفق الدكتور ييلاي شو من معهد الأنف والأذن والحنجرة بجامعة فودان في شنغهاي، فإن هذه الوثيقة تمثل “خريطة طريق لضمان الاتساق وسلامة المرضى” في التجارب المستقبلية.
وتستند هذه الإرشادات إلى تجارب ناجحة في مجالات علاجية أخرى مثل الهيموفيليا واضطرابات الشبكية الوراثية، لكنها تراعي الخصائص الفريدة للأذن البشرية وتعقيدات السمع. ومن أبرز التوصيات التي وردت فيها:
اختيار المرضى بدقة عبر تحليل الطفرات الجينية وتحديد الفئات العمرية الأنسب للعلاج.
تنفيذ إجراءات جراحية دقيقة وآمنة لضمان وصول العلاج إلى القوقعة دون الإضرار بالأنسجة السمعية الحساسة.
مراقبة طويلة الأمد تمتد لخمس سنوات على الأقل لتقييم النتائج ومتابعة الاستجابة والتحسن السمعي.
كما دعت الإرشادات إلى توحيد معايير تقييم الفاعلية من خلال مؤشرات تشمل تحسن السمع والإدراك الكلامي وجودة الحياة، مع الالتزام بالشفافية في نشر النتائج.
وقال الدكتور لورانس لستيج من مستشفى جامعة كولومبيا في نيويورك إن هذا الإجماع يمثل خطوة تاريخية في رحلة العلاج الجيني القوقعي، مؤكداً أن الانتقال من النظرية إلى التطبيق يجب أن يقوم على “توازن بين الأمان والصرامة العلمية وروح التعاون الدولي”.
ولا تقتصر أهمية هذه الإرشادات على المجتمع العلمي فحسب، بل تشمل أيضاً الأطباء والهيئات التنظيمية والمستشفيات ولجان الأخلاقيات والمختصين في إعادة التأهيل، بهدف ضمان تطبيق العلاج الجيني ضمن إطار إنساني شامل يضع المريض في مركز الاهتمام.
وأكد الباحثون أن هذا العلاج لا يسعى إلى محو هوية الصم أو ثقافتهم، بل إلى توفير خيار طبي إضافي للعائلات الراغبة في الاستفادة من التقدم العلمي لاستعادة السمع.
واختتم الدكتور ييلاي شو بالتأكيد على أن القرار النهائي يجب أن يبقى بيد العائلة بعد حصولها على المعلومات الكاملة، مشدداً على احترام حرية الاختيار أياً كان القرار.
ويرى الخبراء أن هذه الإرشادات تمهد الطريق لعصر جديد في علاج الصمم الوراثي، عصر يجمع بين الدقة العلمية والرحمة الإنسانية، مع توقعات بتحديثها مستقبلاً لمواكبة التطور المتسارع في تقنيات العلاج الجيني.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









