في لحظة بدت للوهلة الأولى وكأنها احتفاء رسمي بمسيرة فنية استثنائية، جرى سيدة الدراما العربية منى واصف في جامعة دمشق، خلال فعالية حملت عنوان “سوريا الأمل”، حيث منحت لقب “سفيرة السلام في العالم” من جهة تدعى “المنظمة العالمية لحقوق الإنسان”. الحدث، الذي حضرته وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، بدا مؤثرًا في صورته، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مادة جدلية بعد الكشف عن أن الجهة المانحة لا تحمل أي صفة رسمية أو اعتراف دولي.
المنظمة التي منحت اللقب لا تظهر في أي من قواعد بيانات الأمم المتحدة، ولا ترتبط بأي مؤسسة حقوقية معترف بها. وقد نفت مكاتب أممية في سوريا، بما فيها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أي علاقة لها بهذه الجهة، مؤكدة أن “يونيسف” أيضًا لا تتعامل معها. ما يعني أن التكريم الذي ق//دّم على أنه اعتراف دولي، لا يحمل أي شرعية قانونية أو مؤسسية، بل يندرج ضمن فعاليات محلية ذات طابع رمزي، نظّمتها جهة غير معترف بها دوليًا.
الشخصية التي تقف خلف هذه المنظمة هو اللبناني علي عقيل خليل، الذي يقدّم نفسه بصفة “السفير”، ويظهر في صور رسمية المظهر، بعضها يحمل شعارات أممية مزيفة، وأخرى توحي بانتماءات دبلوماسية لا أساس لها من الصحة. وقد واجه خليل سابقًا اتهامات قضائية في لبنان تتعلق بانتحال صفة وتزوير، ما يضع علامات استفهام إضافية حول الجهة المنظمة.
ورغم كل هذا، فإن منى واصف لا تحتاج إلى ختم أممي لتُكرّم. فهي صاحبة المسيرة الفنية التي امتدت لأكثر من نصف قرن، وقدّمت خلالها أدوارًا حفرت في وجدان الجمهور العربي، من “هند بنت عتبة” إلى “ناهد عمران”، مرورًا بعشرات الشخصيات التي جسّدت فيها القوة والكرامة والوعي. هي ليست فقط ممثلة، بل حالة ثقافية وإنسانية، وصوتٌ لا ينسى في ذاكرة الدراما العربية.
الجدل حول الجهة المنظمة لا يقلّل من قيمة الحدث بقدر ما يسلّط الضوء على ظاهرة خطيرة تتعلق بانتحال صفات رسمية وتوظيفها في فعاليات محلية. لكن في حالة منى واصف، فإن القيمة الحقيقية لا تقاس بالألقاب، بل تقاس بما تركته من أثر في وجدان الناس، وما قدّمته من فن راقٍ، وما تمثّله من صورة مشرّفة للمرأة العربية المثقفة والمبدعة.
منى واصف تستحق التكريم، لا لأن جهة ما قررت ذلك، بل لأن جمهورها قرر منذ زمن أنها تستحقه. وكل ما عدا ذلك… تفاصيل لا تغيّر من الحقيقة شيئًا.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية.









