ماريو باسيل بين النجاح والفشل "خشبة" !

8:06
15-11-2017
ماريو باسيل بين النجاح والفشل "خشبة" !

أشعل سيجارة في أول مشهد وأشعل المسرح في آخر مشهد! وما بين الأول والأخير شاهدنا الممثل ماريو باسيل في دور مختلف تماماً عنه خلال عرض مسرحية One Angry Man على خشبة مسرح المدينة في بيروت. ما فعله ماريو لا يقتصر فقط على أنّه قام بتقديم دور جديداً عليه بل أكثر من ذلك بكثير، فهو خلع عباءة "الكوميديا الهزلية" وإرتدى ثوب "الكوميديا السوداء الفلسفية"!
ماريو الذي قدّم الكوميديا الساخرة في مسرح  Chansonnier تعرّض لإنتقادات عديدة في السنوات الماضية أما اليوم فإنتقل إلى نمط تمثيلي آخر عبر الكوميديا السوداء الهادفة مع عمله المسرحي الجديد One Angry Man الذي بدأ عرضه على خشبة مسرح المدينة منذ التاسع من شهر تشرين الثاني الجاري وسوف يستمر لغاية التاسع من كانون الأول القادم. إستطاع ماريو أن يُثبت بجدارة أنّه ممثلا محترفا بكل ما للكلمة من معنى وقد ساعده في ذلك النص العميق الذي ألّفه وأخرجه المبدع غبريال يمين. شاهدنا ماريو باسيل لأول مرّة يجسّد دور البطولة المنفردة في مسرحية تمزج بين الكوميديا السوداء والفلسفة النفسية العميقة التي يعيشها الجميع فإستطاع أن يحاكي الوعي واللاوعي في داخل كل فرد! كما سلّط الضوء على عدة جوانب حياتية منها العمل والحب والزواج.
وهنا لا بد من التوقف عند كل مشهد على حدى في المسرحية، فالبداية كانت مع مشهد من التأمل بين سيجارة ماريو والدخان المتصاعد منها إلى السماء، وبجانبه مجسّم لحرف M وبعدها يأتي ليخاطب الحضور بشخصية بطل العمل الذي يجسّد دور ممثل يُدعى ماريو باسيل غير ذاك الذي نعرفه في الحقيقة. ويستهل مسرحيته بحرف الميم أو M بالأجنبية الذي سيشكّل الكلمة المفتاح في باقي المشاهد لأنّه الحرف الأول من كل الحالات المزاجية التي يُعاني منها. كما أنّه رمز لإسم "الأم" أو "الإم" باللهجة اللبنانية بحسب ما يقول ماريو خلال عرضه وسنكتشف في نهاية العمل سبب الربط بين هذا الحرف و"الإم".
ويأتي بعدها إستعراض الصراعات النفسية الداخلية التي يعيشها ماريو مجسّداً حالة الكثير من الأشخاص في مجتمعنا، مع إسقاطات عديدة اخرى تمس المجتمع اللبناني عامة.
يتوقف ماريو عند معضلة الإنسان المكوّن من "كتلة أخطاء" لكنه يقع في فخ المسموح والممنوع مع تأنيب الضمير فيحاول التخلص من تلك الأخطاء ليبقى مثالياً لكنه يفشل وينجر وراء شهوات المرء مهما حاول مقاومتها.
ويستعرض مع تلك المشاهد عدة مراحل عمرية وتجارب إنسانية يمر بها إلى أن بصل لمرحلة الشهرة والنجومية، وتتصاعد وتيرة هذا المشهد إلى أن نرى ماريو في خطابٍ نقدي أشبه بتخبّط ! فيُطرح عليه تساؤلا حول ما قدّمه في السابق من مسرح تجاري وما يقدّمه اليوم من مسرح ثقافي مع تأرجح الأفضلية بينهما لصالح النوع الثاني، فيحاول ماريو الدفاع عن الفن المسرحي التجاري الذي قدّمه. وبعد الكثير من الأخذ والرد للدفاع عن وجهة نظره يصل لحقيقة واحدة تجمع بين نوعيْ المسرح مفادها أنّه بإختصار حقّق حلم حياته في الوقوف على الخشبة، فيقول "ما بين النجاح والفشل في المسرح خشبة"! بمعنى أنّ خشبة المسرح هي التي تحدد نجاح أو فشل الممثل المسرحي.
وينتقل في مشهد آخر للحديث عن الشق العاطفي داخله والمعاناة التي يعيشها بسبب فشله في العلاقات العاطفية لأنّه يبحث عن إمرأة كاملة فيكتشف لاحقاً أنها غير موجودة على أرض الواقع. ويسلّط الضوء هنا على التناقض بين الرجل والمرأة وصعوبة التعامل بينهما.
ويتخلل كل تلك المشاهد خطاباً بين ماريو والله من جهة، وبين ماريو وضميره من جهة أخرى.
وفي المشهد الأخير، بعدما فقد الأمل من حياته وغرق في تشاؤمه ووصل لقناعة تفيد بأنّ المعاناة هي أساس كل شيء في الحياة، يتفاجأ ماريو بصوت والدته المتوفية وهي تخاطبه بعبارة "إستيقظ من وهمِكَ"، ليعود بعدها إلى صحوه ويتوقف عن لوم ذاته و"جَلْدِها" ويصبح لديه يقين بأنّ الكمال الذي يبحث عنه غير موجود والأوهام التي يعيش أسيرها قد أرهقته وجعلته متشائماً. من ثم يكتشف ذاته بأنّه خُلق ليكون على المسرح الذي يشكّل شغفه، وهنا يختتم المسرحية بأغنية تقول : "سقيت هالخشبة بعرقاتي ورح ضل إسقيها"، أي بالكدّ والعمل رواها وسيرويها دائماً. وبذلك نصل لخلاصة مفادها أنّ الإنسان يجب أن يجد شغفه في الحياة ليتخلص من المعاناة والتشاؤم فينال الرضى والقناعة والسعادة.
والملفت أنّ المسرحية تتضمنت أغنيات فرنسية وإنكليزية مع رقصات صمّمها مازن كيوان، كما أنّ الحوار إعتمد على لهجات ولغات عديدة تراوحت بين اللهجة اللبنانية واللغة العربية الفصحى والإنكليزية والفرنسية، وذلك بهدف كسر الملل و"المونوتون المسرحي" بالأخص أنّ التركيز كله منصبّاً على ماريو دون إبهار الحضور بالديكور الذي إتصف بالبساطة. وكان واضحاً المجهود الذي قام به باسيل لإضفاء إكسسوارات على الشخصية التي لعبها من خلال لغة جسده المرن على الخشبة مع التلاعب في مستويات إنخفاض وإرتفاع صوته مع ذروة كل مشهد! ولن نتجاهل أهمية الأدوار الثانوية للممثلين الذين شاركوا ماريو في العمل وأتقنوا أدوارهم.

دون أدنى شك، انّ النص الذي كتبه غبريال يمين هو العنصر الرئيسي لنجاح العمل الذي أكمله أداء ماريو المميّز، فلن يستطيع الممثل تحقيق النجاح دون توفّر نص محترف بين يديه. والسؤال هنا يطرح نفسه،هل سيعود ماريو باسيل لخطّه المسرحي المعتاد بعد هذا النجاح أو سيسلك طريقا أخرى أكثر عمقاً مع "أبو الفنون"!