قبل أغنية "إلعب يلا" لأوكا وأورتيجا تعرّف على أغنيات مصرية شعبية إنتُقِدت أيام الزمن الجميل!

7:00
09-01-2018
أميرة عباس
قبل أغنية "إلعب يلا" لأوكا وأورتيجا تعرّف على أغنيات مصرية شعبية إنتُقِدت أيام الزمن الجميل!

"قاعد لوحدك كده سرحان الشيطان يوزّك في سكة شمال يفضل يقولك العب يلا" ! كلمات إقتحمت مجتمعنا فجأة ولاقت رواجاً كبيراً مع موسم الحفلات في نهاية العام مع بدء عامٍ جديد! إنها أغنية تحمل إسم "إلعب يلا" يغنّيها الثنائي أوكا وأورتيجا.

هذه الظاهرة ليست بجديدة، فلطالما شهدنا خلال السنوات الأخيرة على أغنيات تخترق سهراتنا وتتفاعل معها الجماهير، وخير مثال على ذلك ظاهرة "ترشرش" وما سبقها وما يَليها ! ورغم أنّ موسيقى هذه الأغنيات تُلائم جو السهرات الصاخبة وتأتي بحماسٍ كبير لكي يتفاعل معها الساهرين ويتراقصون على أنغامها إلا أنّها سرعان ما تنطفئ لأنها لا تحمل أي قيمة فنية لا في كلماتها ولا في لحنها ما يجعلها مُباحة لساحة الإنتقادات من قِبل النُقّاد!
هذا النوع من الأغنيات تُسمّى في مصر أغنيات مهرجانات أو أغنيات شعبية "بيئة"، ولتوضيح مفهوم الأغنية الشعبية بشكل علمي لا بد من تعريفها، ففي لبنان مثلاً الأغنيات الشعبية هي كالعتابا والميجانا والزجل، وبالتأكيد هذا جزء من التراث الراقي ولا علاقة لها بالأغنيات الشعبية الموصوفة بأغنيات"المهرجانات"، والأغنية الشعبية هي تلك الأغنية التي ترتبط بمكان وبيئة وجماعة أو فئة محددة من الأفراد ضمن المجتمع الواحد المتنوّع، ولها معايير تحكمها مثل سهولة الكلمة واللحن وتناقلها من جيل إلى جيل مع تغيير بعض كلماتها وتسرد قصص متعلّقة بعادات وتقاليد بعض الجماعات والفئات لتكون بذلك جزءاً من الموروث الثقافي دون أن يكون مؤلفها معروفاً كأغنيات الزفّة، وهذا التعريف يتنافى مع نظرية موسيقية أخرى تفيد بأنّ الأغنية الشعبية هي الأغنيات المُنتشرة بشكل واسع والمعروف صاحبها ومؤلفها وتعيش لسنوات وسنوات وتحمل موضوعات مستوحاة من البيئة.

وفي الأسطر التالية، سنتطرّق لبعض الأمثلة عن الأغنيات الشعبية المصرية تحديداً لأنه لا وجه مقارنة بين الأغنيات الشعبية اللبنانية والمصرية أو غيرها لإختلاف البيئة والنمط الموسيقي والهوية الغنائية. كما لن نبحث في الأغنيات الشعبية ذات القيمة الفنية أمثال "الحلوة دي" للراحل سيد درويش وما شابه من مدارس شعبية لأجيال متفاوتة كأغنيات عدوية وحكيم. إنما سنلقي الضوء على ظاهرة الأغنيات الشعبية المصرية التي إنتشرت فجأة وتمّ إنتقادها بسبب معاني كلماتها وسُمّيت "طقاطيق" أيام الزمن الجميل تماماً كما يجري اليوم مع ظاهرة "إلعب يلا".

المثال الأول سيكون عبر أغنية "تعاليلي يا بطة" للراحلة منيرة المهدية التي كانت من أهم مطربات عشرينيات وثلاثينيات القرن المنصرم وملقّبة بسلطانة الطرب إلا أنّ حينها هذه الأغنية تعرّضت للكثير من الإنتقادات بسبب بعض إيحاءاتها خاصة حينما تقول الأغنية عبارة "تعاليلي الأوضة". لكن عاد وقدّمها الفنان الراحل شكوكو على طريقة مونولوج على المسرح مع تغيير في كلماتها التي تقول "تعاليلي يا بطة وأنا مالي هيه"، واستثمرها التلفزيون المصري آنذاك وبثّها لسنوات عديدة، وما زالت هذه الأغنية تُردّد لغاية اليوم وعرفها الجيل الحديث بسبب تداول عبارة "تعاليلي يا بطة" في الأفلام المصرية المعاصرة.

المثال الثاني عن أغنية "العتبة جزاز" التي تتضارب الآراء حول معناها، فهناك من يعتبرها إحدى الأغنيات "البَحَري" كما تُسمّى في مصر وهي تصف بعض عادات وتقاليد الزواج في الإسكندرية حينما تُغنّى للعروس في الجلسات النسائية الخاصة لذا تمّ إنتقادها بشدّة بسبب كلماتها الغريبة التي تصف جسد المرأة بمعنى إباحي خاص بالمناطق الشعبية – نتحفّظ عن نشره- إنما البعض الآخر يصفها بمعنى مُغاير تماماً حيث يُقال أنّها تحمل في طياتها إنتقاد للظلم والنظام الحاكم ولهزيمة الحرب. ويُقال أنّ الشاعر مأمون الشناوي حين كتب أغنية "العتبة جزاز والسلم نايلو في نايلو"، بعد هزيمة عام 1967 المعروفة بالنكسة، كان يسخر فيها من الهزيمة السريعة للجنود، فالعتبة كان يقصد بها سيناء، رغم أنّ الأغنية لم يذكر فيها أي اسم. والمقصود بهذه الكلمات المقتبسة من الفلكلور "الإستسلام"!
أيضاً نذكر مثالاً عن أغنية "الطشط قال لي" التي لاقت رواجاً وهجوماً في الوقت عيْنه بسبب معانيها إلا أنّها تُغنّى بمثابة أغنية شعبية للفتاة في ليلة زفافها وإستحمامها قبل الزفاف!
وفي الختام سنُعطي المثل الأخير حول أغنية شعبيّة أخرى أعاد توزيعها أوكا وأورتيجا ولاقت رواجاً في مصر ألا وهي أغنية "أز أز كابوريا"، وهي للممثل الراحل أحمد زكي الذي قدّمها في فيلم كابوريا عام 1989 وهي من كلمات وألحان حسين إمام، ورغم أنّ كلماتها عبثية إلا أنها تحمل معاني هادفة ونقدية لفئة من الناس في الطبقة الثريّة المستهترة، لكن أوكا وأورتيجا قدّماها بتوزيع موسيقي جديد لاقى الكثير من الإنتقادات في مصر لأنّه شوّه الأغنية الأصلية بحسب رأي النقاد.
وبذلك نجد أنّ هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم إنما وُجدت في الساحة الفنية حتى أيام الزمن الجميل!